بقلم: صادق ناشر – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – التقاطر الدولي إلى ليبيا بعد تجاوز أزمة تشكيل الحكومة، وبدء التحركات الفعلية لعودة البعثات الدبلوماسية للعمل من الداخل الليبي، إشارة واضحة إلى أن المسار الذي اتخذه الليبيون في التسوية السياسية بدأ يؤتي أُكله، فالزيارات التي قام بها مسؤولون غربيون إلى طرابلس، إضافة إلى الزيارة التي قام بها رئيس المجلس السياسي محمد المنفي، إلى فرنسا ومصر، كلها توضح مدى التحول في هذا الملف، الذي كان يعتقد الكثير أنه صعب الحل، خاصة في ظل المعارك المستعرة في أكثر من منطقة ليبية.
يحسب لليبيين قدرتهم على تجاوز خلافات الماضي، على الرغم من الآلام والجراح التى خلّفتها المعارك التي دارت على مدار عقد من الزمن، لأنهم أدركوا أن استمرار الصراع لن يفضي إلى حل، وأن الطريق الوحيد الذي يمكن أن يؤمن مستقبل ليبيا، ويحافظ على وحدة كيانها وترابها، هو التوافق طالما أنه يخدم ليبيا، ويعيد إليها استقرارها المفقود.
الخطوات التي قادت إلى التسوية لم تكن ممكنة لو لم يغلب الليبيون، بمختلف أطيافهم السياسية، مصلحة بلادهم على ما عداها من مصالح وأجندات داخلية وخارجية، والتفتوا إلى معالجة الواقع بكل تعقيداته، والبدء بإجراء عملية جراحية تنهي الغيبوبة التي كانت عليها البلاد منذ أن دخلت في دوامة الفوضى أثناء الاحتجاجات التي شهدتها عام 2011، بما عُرف بـ«موجة الربيع العربي»، التي دفع الليبيون والسوريون واليمنيون فيها مئات الآلاف من الضحايا من دون تحقيق أي من المطالب التي رفعت خلال الاحتجاجات.
حل أزمة ليبيا نموذج لحلول مشاكل مشابهة تعيشها بعض البلدان العربية، وأبرزها سوريا واليمن، حيث لاتزال الحرب المشتعلة في مختلف جبهات القتال، تحصد المزيد من الأرواح، وتدمر في طريقها البنية التحتية الضعيفة أصلاً في هذين البلدين.
قد لا يكون النموذج الليبى قابلاً للتطبيق بحذافيره في كل من اليمن وسوريا، لكنه بالتأكيد يفيد في معالجة الأوضاع الملتهبة في هذين البلدين الكبيرين، ويشكل مدخلاً لتبني الحلول المشابهة التي تستند على الأرضية نفسها التى وضع عليها الحل للأزمة الليبية.
لا يجب الاستهانة بالتفاصيل الصغيرة التي حسمت الأزمة في ليبيا، تماماً مثلما توجب عدم إغفال التأثير الأجنبي في هذه الأزمة، من خلال تدخلات عسكرية، منحت الفرصة للإرهابيين والمرتزقة أن يشكلوا معادلة سلبية في الأزمة، ولهذا تبدو مهمة الحكومة الليبية صعبة في المرحلة المقبلة، حيث يجب أن تتخلص من المرتزقة الأجانب، وفق ما أعلنت عنه وزيرة الخارجية في الحكومة الجديدة نجلاء المنقوش، التي أكدت توجه الحكومة لإخراج كافة المرتزقة وبشكل فوري من البلاد.
والموقف نفسه كرره المنفي خلال لقائه يوم الخميس في القاهرة بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، عندما أكد ضرورة خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، وعدم السماح بإقامة قواعد عسكرية أجنبية فى البلاد.
المسار السياسي هو الرهان الوحيد على الحل، فالصراع العسكري مهما بدا سهلاً للبعض، إلا أنه مكلف للشعوب التي تدفع ثمن المغامرات التي يخوضها البعض، تارة تحت شعارات داخلية فضفاضة، وتارة أخرى تنفيذاً لإملاءات خارجية.