بقلم: د. نجاة السعيد – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- حالة تودد تركيا إلى مصر من أجل التقارب السياسي بدت ظاهرة للعيان، خاصة ما يتعلق بوعود أنقرة بتسليم جميع العناصر الإخوانية المطلوبة قضائياً في مصر على ذمة قضايا عنف وإرهاب، وكذلك أوقفت السلطات التركية المنابر الإعلامية التحريضية ضد مصر والتي تبث من تركيا. بادرة مشجعة على التفاؤل، على أمل بخطوات تالية تحقق التقارب وطي الخلافات في ملفات عدة بين تركيا ومحيطها العربي.
رحب كثيرون بهذه الخطوة، أملاً في نزع فتيل التوترات بالمنطقة، ووضع حد للاستقطابات التي لا داعي لها، والتي وفرت بيئة خصبة لانتهاز أي فرصة لاستقطاب هذا الفصيل أو ذاك.
تفاؤل حذر يتبناه المحللون والخبراء، على اعتبار أن توترات الإقليم لا ينبغي أن تستمر إلى ما لانهاية. والمأمول أن تنتصر مبادرات التهدئة، وأن تسود المبادرات الخلاقة التي تعزز الاستقرار وتستخدم رؤية جديدة للمنطقة يسودها التعايش والاحترام المتبادل والتعاون والتكامل لا الصراع والتناحر وتقاسم مناطق النفوذ.
وما ينبغي التأكيد عليه خلال المرحلة الراهنة، حسب الكثير من المحللين السياسيين والمراقبين، هو أن أي تحسن في العلاقات يتطلب مراعاة الإطار القانوني والدبلوماسي الذي يحكم العلاقات بين الدول والذي يجب أن يقوم على احترام السيادة ومتطلبات الأمن القومي العربي ومتطلبات الاستقرار الإقليمي.
فمصر أكدت عدة مرات أنها لن تقبل التدخلات الإقليمية من أطراف غير عربية، سواء في ليبيا والعراق وسوريا، ولن تقبل التهديدات التي يتعرض لها حلفاء مصر العرب مثل الإمارات والسعودية. كما أن مصر على يقين أن هذا التودد التركي هو بهدف التنسيق على قضيتين رئيسيتين: الأزمة الليبية وقضية الغاز في شرق المتوسط.
بالنسبة للأزمة الليبية، فإنها تشكل مصدر تهديد لمصر، من خلال حدود على امتداد 1200 كيلومتر، وبالتالي فمن الضروري بالنسبة للقاهرة استقرار ليبيا، ومنع توغل تنظيمات متطرفة داخلها. أما بالنسبة لقضية الغاز في شرق المتوسط، فقد ذكر أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، طارق فهمي: من خلال حوارهم مع القاهرة، يريد الأتراك الوصول إلى تفاهمات تتعلق بقضية الغاز في شرق البحر المتوسط، حيث شعروا أنهم خارج ترتيبات هذا الملف عندما أنشأت مصر منتدى الغاز، «إيست ميد». علاوة على ذلك، أقامت مصر تحالفات قوية مع أطراف أوروبية ومن قبلها عربية، مثل فرنسا والنمسا واليونان والإمارات، تشترك مع القاهرة في سياسات تهدف إلى استقرار الإقليم ومنع التدخلات الخارجية، ما يؤكد صواب التوجهات المصرية.
أي تنسيق بين مصر وتركيا حتماً سيكون خطوة على طريق طي الخلافات بحضور حلفاء مصر سواء الأوروبيين أو العرب. ورسائل التقارب التركية إلى مصر شهادة نجاح للسياسة والدبلوماسية المصرية وبدعم من شعبها، لذلك مصر لن تقوم بأي تنسيق مع تركيا من دون مراعاة كل عوامل هذا النجاح في السياسة الخارجية المستند إلى تحالفات قوية عربياً وأوروبياً.