بقلم: عبدالله السناوي – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- تراوح الأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل مكانها، كأنه يصعب مغادرتها. لم تنجح أربعة انتخابات عامة أجريت خلال عامين في تخفيف وطأتها، تتعدل الحسابات، لكنها لا تكسر جدرانها.
يستلفت الانتباه – أولاً – في أجواء الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة وموازين القوى التي أسفرت عنها وسيناريوهات تشكيل حكومة جديدة، انغلاق الأفق على أي تجاوز محتمل للأزمة المستحكمة، وترجيح إجراء انتخابات خامسة.
يستلفت الانتباه – ثانياً – الاستقطاب الحاد في المجتمع السياسي الإسرائيلي حول رجل واحد هو رئيس الوزراء الحالي «بنيامين نتنياهو»، من معه ومن ضده.
في التصنيف العام لنتائج الاقتراع يوصف حزب «الليكود»، الذي يتزعمه حاصداً (30) مقعداً، والأحزاب اليمينية المتطرفة التي تشايعه ب«معسكر نتنياهو» وتوصف الأحزاب اليسارية ك«العمل» و«ميرتس» أو التي تميل إلى الوسط ك«كحول لفان»، وأية أحزاب أخرى من اليمين تناصبه قياداتها العداء الشخصي و«القائمة العربية المشتركة»، ب«المعسكر المضاد».
إحدى السيناريوهات الممكنة، إذا أمكن لخصومه الوصول إلى النصاب المطلوب في الكنيست دون أن يكون لهم رأس يقودهم، أو برنامج يجمعهم، التقدم بمشروع قانون يمنع أي متهم أمام المحاكم في قضايا فساد من تكليفه بتشكيل الحكومة، قاصدين «نتنياهو» باسمه ورسمه، الذي تحاصره اتهامات تنظرها المحاكم بالرشى والاحتيال وخيانة الأمانة.
صلابة الخصومة وسيولتها تحكمها إلى حد كبير شخصية «نتنياهو» وإرثه السياسي في الحكم، الذي تمدد لخمسة عشر عاماً، نجح خلالها في تهميش مكانة حزب «العمل»، الذي أسس الدولة العبرية عام (1948) قبل أن يولد هو بعام، وكان مفاجئاً حصده (7) مقاعد في الانتخابات الأخيرة، كأنها عودة روح فارقت الحياة السياسية لآماد طويله.
ناور «نتنياهو» وتصادم، حالف وانقلب، وعهد عنه عدم الالتزام بالوعود، فهو برجماتي مستعد أن يفعل أي شيء وكل شيء مقابل البقاء على مقعده، الذي جلس عليه أكثر من أي رئيس وزراء آخر بمن فيهم المؤسس «ديفيد بن جوريون».
ويستلفت الانتباه – ثالثاً – قلة تأثير التطورات السياسية الإقليمية، عواصفها وتقلباتها، على مسار التصويت الانتخابي.
الاعتبارات الداخلية سادت تقريباً المشهد الانتخابي في بلد اعتادت نخبته السياسية على مدى أكثر من سبعة عقود أن تركز خطابها على الأمن، وما تراه تهديداً لوجود الدولة أكثر من أية قضية أخرى.
كان ذلك تعبيراً عن تراجع موازين القوى العربية في حسابات الأمن الإسرائيلي.
«شخصنة الصراع الداخلي» الوجه الآخر لتراجع البرامج والتصورات والأفكار، كادت تغيب أية مناظرات أو مقاربات لها قيمة في النظر إلى مستقبل الإقليم والصراعات الدائرة فيه، أو النظر إلى مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وطبيعة الدولة العبرية أمام التحديات الديموغرافية الماثلة، حيث يتقاسم بالتساوي اليهود والعرب فلسطين التاريخية بما يجعل أي حديث شائع في إسرائيل عن دولة يهودية صرفة محض أوهام.
بقوة الحقائق يمثل العرب داخل الخط الأخضر، الذين لم يغادروا أراضيهم بعد نكبة (1948) (20%) من القوة التصويتية.
في الحسابات الانتخابية المستجدة يرجح أن تلعب «القائمة العربية الموحدة»، التي يترأسها «منصور عباس»، وهو إسلامي محافظ، دور «بيضة القبان» إذا ما قررت أن تنضم إلى معسكر «نتنياهو».
بأصوات عربية أقل من أصابع اليد الواحدة قد ينجح «نتنياهو» في تشكيل حكومة جديدة.
على الجانب الآخر تقف «القائمة العربية المشتركة» الأكبر حجماً ووزناً في صف المعسكر المضاد.
كانت إحدى المفاجآت في الانتخابات الأخيرة نجاح قائمة «جانتس» في حصد ثمانية مقاعد بعدما حاز في المرة السابقة أكثرية خولته التفاوض على رئاسة الحكومة!
بمناورة أخرى أغوى «نتنياهو» الإسلاميين، الذين يقودهم «منصور عباس»، بالانشقاق عن «القائمة العربية المشتركة» برئاسة «أيمن عودة» مقابل دور سياسي خدمي، أو ربما وزاري.
تراجعت نسبة المشاركة العربية في الانتخابات إلى (54%) فيما كانت في المرة السابقة (64%) بدواعي الضجر من الصراعات الداخلية.
«نتنياهو» البرجماتي تجول في المجتمعات العربية لاكتساب أصواتهم، وعدهم بتحسين أحوالهم إذا ما صوتوا ل«الليكود»، ولوح بتعيين وزير عربي في حكومته المقبلة لمتابعة ما يخصهم من خدمات وشكاوى. كان ذلك تناقضاً مع معتقداته أن إسرائيل دولة اليهود وحدهم والعرب زائدون عن الحاجة والضرورة.
أسوأ ما جرى، وهو يستحق التوقف عنده بالدرس والمراجعة، أن (30%) من الأصوات العربية ذهبت إلى الأحزاب اليهودية يميناً ويساراً، بما فيها «الليكود» بزيادة (16%) عن المرة السابقة.
نشأت مساجلات وصدامات في المجتمع العربي حول المشاركة ومعناها وأهدافها ومخاطرها على الهوية العربية خشية تحللها.
بتعبير «منصور عباس» لتسويغ موقفه: «لسنا في جيب أحد، نحاور المعسكرين ونتخذ قرارنا بقدر الاستجابة لمطالبنا». لوح أنه مستعد أن يتحالف مع «نتنياهو» إذا كانت هناك مصلحة للمجتمع العربي في إسرائيل!
«القائمة العربية الموحدة» قد تساعد على سيناريو حسم الحكومة الجديدة، ف«نتنياهو» ومن معه يحوزون (59) مقعداً والمناهضون له (56)، لاستكمال الرقم السحري (61) أغلبية الكنيست..هذا احتمال وارد نظرياً.
الفكرة سائلة تتحرك داخلها المصالح والمنافع والصفقات والحسابات الشخصية، غير أن أحزاباً متطرفة، من ضمن المكون الطبيعي لمعسكر «نتنياهو»، أعلنت رفضها القاطع للتحالف مع أية قائمة عربية عند تشكيل الحكومة الجديدة، وإذا ما حدث ذلك فسوف تنسحب بلا تردد من المعسكر، الذي اعتادت أن تقف فيه، وهذه فكرة صلبة تعبر عن توجهات وحسابات مستقرة وطبيعة نظر إلى المجتمع العربي في الدولة العبرية.
ما بين السائل والصلب يحاول «نتنياهو» أن يناور للبقاء في الحكم، وتجنب الزج به في السجن..
ما هو سائل موضوع مناورة؟، وما هو صلب مسألة طبيعة دولة؟.