بقلم: محمد خليفة – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – عمدت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى إعادة ثقة الحلفاء بالولايات المتحدة، بعد مرحلة الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي أبعد بلاده عن حلفائها بحجة أنهم يمثلون ثقلاً على موازنتها.
وفي هذا الصدد فقد أعاد بايدن صلات بلاده مع دول أوروبا، كما أرسل وزيري الخارجية والدفاع في إدارته: أنتوني بلينكن، ولويد أوستن، في زيارة إلى اليابان في 15 مارس 2021 «لتأكيد التزام الولايات المتحدة بتعزيز التحالفات وتركيز الاهتمام على التعاون الذي من شأنه أن يعزز السلام والأمن والازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وحول العالم»، وفق بيان وزارة الخارجية الأمريكية.
لكن على الرغم من ذلك، فإن فترة ترامب كشفت انقساماً حقيقياً داخل الولايات المتحدة، بين من يريد ترميم البيت الداخلي أولاً وبعيداً عن الحلفاء، ومن يريد أن تستمر الولايات المتحدة في سياستها الخارجية وفي تقديم المساعدات للحلفاء لكي تبقى لها الكلمة الأولى في العالم.
وفي خضم هذا القلق الأمريكي الذي سيتصاعد في المستقبل، أظهرت اليابان أنها تدرك حقائق الواقع العالمي، ولذلك كان وزير شؤون التجارة في الحكومة اليابانية ايساكي أوكينافا، قد دعا في فترة سابقة، إلى إعادة النظر في الاتفاق الياباني الأمريكي حول وضع القوات الأمريكية في اليابان. وقال أوكينافا: «من الضروري إعادة النظر في الاتفاق الياباني الأمريكي الذي تم توقيعه منذ سنوات طويلة، واليوم ميزان القوى قد تغير، والعالم بأسره يتغير؛ لذلك يجب أن تتم إعادة النظر في الاتفاق». وأضاف أوكينافا: «يتوجب على الحكومة اليابانية الاستجابة لمشاعر السكان والمواطنين اليابانيين، الذين لا يريدون القوات الأمريكية في البلاد، وهذا حق مشروع، وعلى السلطات اليابانية سماع مواطنيها».
ويمثل هذا التصريح تطوراً خطراً في العلاقات اليابانية الأمريكية، فهذه هي المرة الأولى التي تطالب فيها جهة يابانية رسمية، بضرورة إعادة النظر في اتفاقية وضع القوات الأمريكية في اليابان، والتي وقعتها الدولتان عام 1960، ولا زالت سارية المفعول حتى اليوم. ويوجد في اليابان اليوم 54 ألفاً من جنود المارينز الأمريكيين، تدفع الحكومة اليابانية سنوياً ملياري دولار نفقات لهم، ويتوزع هؤلاء في محافظة أوكيناوا التي تحتضن 32 قاعدة عسكرية أمريكية؛ أي ما يعادل 62% من القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في اليابان، وهي تغطي حوالي 25% من مساحة أراضي المحافظة، وتستوعب حوالي 50 ألف مواطن أمريكي من بينهم 26 ألف عسكري؛ الأمر الذي يحول أوكيناوا إلى معقل جيوسياسي بالغ الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة التي تستخدمه من أجل الدفاع عن مصالحها، وتوسيع نفوذها في منطقة جنوب شرق آسيا المجاورة للصين.
وتواجه هذه القواعد منذ فترة طويلة، اتهامات بإصدار ضجة شديدة، وتلويث البيئة في المحافظة، إضافة إلى ارتكاب الجنود الأمريكيين اعتداءات متكررة بحق اليابانيين، ما دفع سكان أوكيناوا إلى القيام بتظاهرات متعددة رفضاً لوجود هذه القوات على أراضي هذه المحافظة.
غير أن الولايات المتحدة لن تقبل أن تغادر اليابان وتتركها لمصيرها بعد أن أذلتها بالقنابل الذرية التي ألقيت عليها؛ بل ستعمل على البقاء فيها لأنها توفر لها قاعدة للهيمنة في الشرق الأقصى، وهكذا قد يتحول التحالف بين الدولتين إلى حالة من ضبابية الرؤية، وربما لن يحدث هذا الأمر في القريب العاجل، لكن كلما تراجع النفوذ الأمريكي في العالم خطوة، فإن ذلك الخلاف سيتقدم خطوات، إلى الوقت الذي سيتحول فيه الموقف إلى حالة من عدم الاستقرار بين الدولتين، وذلك وفق قاعدة «لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة؛ بل هناك مصالح دائمة».
ومن هنا، فإن زيارة الوزيرين الأمريكيين إلى اليابان لن تُعيد العلاقة بين الدولتين إلى ماضيها السحيق، فالعالم يتقدم والخلافات تتعمق والرؤى تتباعد.