بقلم: ناجى صادق شراب – صحيفة إيلاف
الشرق اليوم- لم تكن السعودية في أي يوم من الأيام دولة حرب أو دولة معتدية، ولم تصنف في كل مؤشرت الدول بهذا الوصف، ولم تكن في أى وقت دولة داعمه للإرهاب والعنف والجماعات المتشددة، ولم تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فارتبط إسمها بالإسلام، والإسلام دين السلام والمحبة والإنسانية.
هذه نقطة الإنطلاق والفرضية الأساسية في فهم السياسة والدبلوماسية السعودية التي تتوافق وكل القيم التي حملها الإسلام ونادى بها الرسول عليه الصلاة والسلام، والتي تشكل أحد أهم مرجعيتها السياسية، وأحد أهم محددات دورها ومكانتها عربيًا وإسلاميًا وعالميًا. الفرضية الثانية التي تنطلق من الفرضية الأولى هي أن كل العيون تتجه نحو السعودية في دورها وسياستها وقرارتها، وهي في معادلة العلاقات الدولية دولة تقدم أكثر مما تأخذ، أو بعبارة أخرى دولة مطلوبٌ منها أكثر مما تطلب، وهذا يفرض عليها أعباء ومسؤوليات إتجاه الدول الإسلامية والعربية والإنسانية.
إن السعودية، بحكم محورية دورها، دولة لها مصالحها العليا ولها رؤيتها السياسية، وتحكم هذا الدور معطيات كثيره أهمها المحددات الجيوسياسة وتصورات التهديدات الخارجية. لذلك، بحكم هذه المحددات، يواجه هذا الموقف وهذا الدور الكثير من المعوقات والتهديدات الإقليمية، والتى لم تقابلها السعودية منذ نشأتها بالقوة المسلحة بل بالحوار والرغبة في السلام وحسن الجوار.
دور السعودية كدولة سلام أرتبط بها منذ اكثر من تسعة عقود منذ نشأتها وتأسيسها علي يد المؤسس الملك عبد العزيز بن سعود الذي منذ البداية حدد معالم سياسات هذه الدولة والتى قامت على تبني سياسات السلام والتسامح ونبذ العنف والكراهية، فكانت من أول الدول المؤسسة والمشاركة في الأمم المتحدة كعضو مؤسس، والتزمت منذ البداية بميثاق الأمم المتحدة. وكانت رؤية المؤسس في القرار الخاص ب-181 الذى أسس ودعا لقيام دولة عربية في فلسطين تكون القدس الشرقية كلها عاصمة لها، وهو ما زال نفس الموقف الثابت للمملكة في دعم قيام الدولة الفلسطينية من منطلق أن السلام لا يكتمل إلا بها.
مظاهر السلام وصوره كثيرة في الإتفاقات التي رعتها وفى دور الوسيط في العديد من المنازعات الدولية والإقليمية وفى الدعم الذى تقدمه للأمم المتحدة ماليًا وفي عضويتها للكثير من المنظمات الدولية وفى عضويتها لمجلس الأمن بإعتباره المسؤول عن السلام والأمن العالميين.ومن أبرز أمثلة هذا الدور الإتفاقات التي وفرت لها أسباب النجاح ورعتها، اذكر منها إتفاق الطائف في عام 1989 بين الفرقاء اللبنانيين بعد حرب أهلية دامت 15 عامًا؛ والإتفاق التاريخى أو ما يعرف بإتفاق الرياض في عام 2018 لإنهاء أطول نزاع أفريقى في القرن الأفريقي بين إثيوبيا وأرتيريا برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وبحضور ولى العهد الأمير محمد بن سلمان؛ ووثيقة مكه المكرمة لوقف الاقتتال الطائفى في العراق في عام 2006؛ ووثيقة مكة المكرمة – التي تستحق أن يطلق عليها اسم مدينة السلام – في عام 2019 والتي دعت لقيم الحوار والتسامح ونبذ العنف والكراهية، ووقع عليها 1200 شخصية إسلامية من 134 دولة.
لا ننسى أهم المبادرات المبادرة العربية التي حملت إسم الملك فهد وتبنتها قمة بيروت وذلك في عام 1882، والتي تشكل أساسًا لصنع السلام لأطول وأعقد صراع دولي، هو الصراع العربي – الإسرائيلي. ومن أبرز مؤسسات السلام والتسامح والحوار مركز الملك عبد الله للحوار بين الأديان، ورابطة العالم الإسلامى. وشهدت الرياض العديد من القمم من أبرزها قمة مجموعة العشرين وتخصيص السعودية 500 مليون دولار لتغطية الفجوة التمويلية في الخطة الإستراتيجية للتأهب والإستجابة التابعة لمنظمة الصحة العالمية لمواجهة واحتواء وباء كورونا.
من أبرز مظاهر وصور السلام الخطاب السياسي والدبلوماسي للمملكة فى الذكرى الخامسة والسبعين للأمم المتحدة، في تصريحات وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان بالإشارة للسلام مع إسرائيل، إذ قال إن إسرائيل تعرقل فرص السلام بإجراءاتها الأحادية، مع التاكيد أن المملكة كانت وما زالت وسيطا للسلام.
وفي سياق صنع السلام، تأتي المبادرة الأخيرة التي أعلنت عنها المملكة لإنهاء أطول حرب في اليمن بوقف القتال الشامل وفتح مطار صنعاء وإستئناف المساعدات، والبدء في حوار للسلام بين الفرقاء اليمينيين، رغم ما تعرضت له المملكة من العديد من الهجمات من الحوثييين استهدفت أهدافًا مدنية، ودعوتها إيران للسلام، رغم تدخلات الأخيرة في الشأن العربي الداخلي، والتي تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن المملكة. وهنا يسجل للمملكة أنها لم تقم بأى هجوم أو فعل فيه تهديد لإيران.
يطول الحديث عن السلام وصنع السلام في الشرق الأوسط. ورغم تأييد المملكة إتفاقات السلام العربية – الإسرائيلية إلا أنها ما زالت تتمسك بالسلام الشامل الذى أساسه المبادرة العربية، وتتبنى قيام الدولة الفلسطينية ومساعدة الفرقاء الفلسطينيين على التصالح كما في اتفاق مكة الذى رعاه الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، إضافة إلى ما تقدمه من دعم ومساعدات مالية للسلطة الفسلطينية.
وفي سياق السلام العربى، لا يمكن أن ينسى للمملكة دورها في تحرير الكويت والمساهمة في نجاح قوات التحالف الدولية. هذه بعض المواقف الثابتة لدبلوماسية المملكة كصانعة سلام في المنطقة وعالميًا.