بقلم: منار الشوربجي – المصري اليوم
الشرق اليوم – حدثان وقعا الأسبوع الماضي كان تزامنهما يستحق التأمل. أولهما اللقاء الوزاري الأمريكي الصيني الذي تحول إلى تراشق علني أمام الكاميرات بالصوت والصورة، وثانيهما كان الحدث الإرهابي الذي وقع في ولاية جورجيا وراح ضحيته ثمانية أمريكيين من أصول آسيوية.
فبعد أن قام المسؤولون الأمريكيون بمحادثات مكثفة مع حلفائهم في آسيا وأوروبا لتطويق الصين، تم الإعلان عن لقاء وزاري بولاية ألاسكا بين وفد صيني رفيع المستوى ووفد أمريكي على قمته وزير الخارجية ومستشار بايدن للأمن القومي. وما إن بدأ اللقاء حتى انحرف عن المسار الدبلوماسي المعتاد. فالكلمات الافتتاحية، التي عادة ما لا تستغرق سوى دقائق امتدت لساعة كاملة، بدأها وزير الخارجية الأمريكي بكلمة استخدمت لغة هجومية واستغرقت عشرين دقيقة فرد المسؤول الصينى بالمثل. وحين هم الصحفيون بترك القاعة كما هو معتاد، بعد الكلمات الافتتاحية، أشار لهم وزير الخارجية الأمريكي بالبقاء حتى يشهدوا رده على المسؤول الصيني. وهكذا استمر التراشق الذي استخدم خلاله خطابا شكل تصعيدا علنيا بين الطرفين.
والواضح أن وزير الخارجية الأمريكي كان يوجه خطابه للداخل الأمريكي، خصوصا أن تلك الجلسة تلتها في اليوم التالي جلسات أخرى بحثت بجدية القضايا المهمة بين البلدين، ولم يحضرها الإعلام. لكن اجتماع الوفدين يجري في سياق خطاب سياسي أمريكي معاد للصين. صحيح أن ذلك السياق ازداد حدة منذ جائحة كورونا، إلا أنه ليس جديدا ويتبناه الحزبان بالمناسبة. فعلى سبيل المثال، سعى زعيم الأقلية الجمهوري بمجلس النواب كيفين ماكارثي، بإزاحة الديمقراطي إريك سوالويل، من عضوية لجنة الاستخبارات بدعوى علاقته بجاسوس صيني. والديمقراطيون طوال عهد ترامب، بمن فيهم بايدن كمرشح للرئاسة، اتهموا ترامب «بالتساهل مع الصين». وفور تولي الإدارة الجديدة، وكجزء من أولى زياراتهما للخارج، سافر وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيان لليابان وكوريا الجنوبية لدعم المواجهة مع الصين، وتلا ذلك اجتماع قمة حضره زعماء منتدى «الحوار الأمني الرباعي» أو ما يعرف اختصارا باسم «كواد»، الذي نشأ أصلا لتطويق الصعود المتنامي للنفوذ الصيني. ثم انتزعت أمريكا من دول أوروبا موافقة على استمرار العقوبات التي كانت قد فرضتها إدارة ترامب على الصين.
وإدارة بايدن، تعتبر الصين «تهديدا» لأمريكا. فالتهديد الذي يتمثل في جوهره في التفوق الصيني في مجال التكنولوجيا وخصوصا تكنولوجيا الاتصالات لا تعتبره أمريكا منافسة وإنما تهديدا تواجهه بالأساليب الدبلوماسية بل والعسكرية. فقائد القوات الأمريكية بالمحيط الهادي قال أمام الكونجرس إن حكومة بلاده عليها «الاستعداد لدخول حرب مع الصين»! فالصين، عندهم، تهديد لبقاء النظام الدولي الذي صنعته أمريكا لخدمة مصالحها.
لكن كل ذلك حدث بعد أيام قليلة من جريمة إرهابية، في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا، حيث هاجم رجل أبيض ثلاثة مواقع فقتل ثمانية كان ستة منهم من النساء ذوات الأصول الآسيوية. والحقيقة أن استهداف الأمريكيين ذوي الملامح الآسيوية، بغض النظر عن البلد الذي منه أصولهم، قد ارتفعت معدلاته بشدة طوال العام الماضي بعدما تم اعتبار الصين مسؤولة عن جائحة كورونا.
المفارقة التي حملها ذلك التزامن بين الحدثين أن جين بساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، أكدت أن تزايد استهداف الأمريكيين من أصول آسيوية ارتبط بسلوك ترامب الذي أطلق على الجائحة تارة «فيروس ووهان» وتارة «فيروس الصين». وهو ما يعني أن تحميل الصين مسؤولية انتشار الوباء هو مصدر العنف ضد الأمريكيين من أصول آسيوية. ومع ذلك فالإدارة نفسها، التي تدين العنف ضدهم تظهر وجها متشددا تجاه الصين.