الرئيسية / مقالات رأي / أبعاد نقل ملف لبنان إلى بروكسيل

أبعاد نقل ملف لبنان إلى بروكسيل

بقلم: فارس خشان – النهار العربي

الشرق اليوم- فيما كان العالم مبهوراً بعودة الحياة الطبيعية إلى إسرائيل، يتناقل صور شعبها “السعيد” في تل أبيب، عشية توجهه إلى انتخابات نيابية جديدة، أدرجت منظمة “فاو” لبنان، في خانة واحدة، مع الصومال واليمن وسوريا، لجهة انهيار” الأمن الغذائي”، وامتلأت وسائل الإعلام صوراً من بيروت عن سكان يتناحرون على غالون زيت وكيس طحين وعلبة حليب.

ولكنّ هذه المقارنة لا تهم الطبقة السياسية في لبنان، فهي انشغلت بكلمة جديدة عن “الكرامة والتصدي والصمود والحنكة والإنتصارات” لأمين عام “حزب الله” حسن نصرالله، وبـ “حرب صلاحيات” بين رئيس الجمهورية ميشال عون، من جهة، والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري، من جهة أخرى.

وحده الخارج العاجز، حتى تاريخه، عن تثمير حركته في اتجاه لبنان، كان “موهولاً” من الوقائع اللبنانية، فهو أمام دولة تنهار، وشعب يجوع، وكيان يتفكّك، ومسؤولين لا يعرفون ما معنى…المسؤولية.

ودفعت هذه الوقائع اللبنانية المرّة فرنسا الى التواضع، فأقرّت بفشلها، وقرّرت إشراك الآخرين بمحاولة منع انهيار لبنان، ممّا وضع الملف في عهدة الإتحاد الأوروبي الذي أخذ، في السنوات الأخيرة، منحى متشدّداً، إذ إنّه، حيث تفشل “دبلوماسية الإقناع”، يلجأ الى “دبلوماسية العقوبات” التي “تعشقها” الولايات المتحدة الأميركية.

ومهّدت باريس لنقل الملف الى شركائها الأوروبيين بتراجعها التكتيكي عن رفضها لسياسة العقوبات على السياسيين اللبنانيين المتورطين بانهيار البلاد، بحيث باتت العقوبات خياراً مقبولاً، بعدما كانت خياراً “غير ذي جدوى”، كما كان مسؤولوها يقولون، مراراً وتكراراً، سرّاً وجهاراً.

وفي بروكسيل، حيث طرح وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان الموضوع اللبناني، تقرّر الطلب من “دائرة العمل الخارجي” وضع مجموعة اقتراحات لطريقة التعامل مع المسؤولين اللبنانيين إذا لم تفلح الضغوط السياسية في تجسيد تعهداتهم بالسير بالمبادرة الفرنسية، بدءاً بتشكيل حكومة مهمة.

وهذا يعني أنّ باريس وشركاءها الأوروبيين سوف يعطون مهلة أخيرة للمسؤولين اللبنانيين حتى يُشكّلوا الحكومة، ويبدأوا بتنفيذ البرنامج المتفق عليه، في إطار “المبادرة الفرنسية”.

وفي حال لم تُثمر هذه الفرصة الأخيرة التي ستكون مهلتها محدودة زمنياً، فإنّ العقوبات تصبح أمراً لا مفرّ منه.

وخلافاً لباريس التي كانت تنفرد بمحاولة إيجاد حل للأزمة اللبنانية، فإنّ العواصم الأوروبية لا تنظر إلى الأزمة اللبنانية من الناحية التقنية حصراً، بل هي تعتبر أنّ هناك تداخلاً كبيراً بين البعد التقني، حيث الإصلاحات ومكافحة الفساد، والبعد السيادي، حيث يبرز سلاح “حزب الله” وقمع الحريات.

وهذا يعني أنّ تفويت المسؤولين للحل “الحبّي”، لن يجر إلى وضع عدد من المسؤولين عن تفاقم الإنهيار على لائحة العقوبات، فحسب بل سيتم، أيضاً النظر جدياً في وضع “حزب الله” بشقيه السياسي والعسكري، على لائحة الإرهاب الأوروبية، الأمر الذي كانت باريس رائدة في معارضته سابقاً.

وليس هناك دولة أوروبية واحدة، تبرّئ “حزب الله” من “رعاية” الإنهيار في لبنان، بل تعتبر أنّه متورط في ذلك تورّطاً كاملاً، ولكنه يتستّر خلف خلافات سياسية يعمل من دون هوادة، على إذكائها، فهو، مثلاً، دعم تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، ودعم، في آن، رئيس الجمهورية ميشال عون، ليحول دون تشكيل الحريري الحكومة التي يمكنها أن تلقي استحسان الدول المانحة التي تجمع، في بياناتها الأساسية، على وجوب تحييد لبنان عن حروب المنطقة وصراعات المحاور، وتنفيذ “إعلان بعبدا” الذي مزّقه “حزب الله” قبل أن يجف حبره،  وتطبيق القرارات الدولية، ومن بينها القرار 1559 الذي يحاربه هذا الحزب، منذ ولادته.

إنّ وضع الإتحاد الأوروبي يده على الملف اللبناني، ليس من مصلحة المسؤولين اللبنانيين، لأنّه، إذا كانت فرنسا تنظر الى لبنان من منطلقي المصلحة والعاطفة، فإن غالبية الدول الأوروبية الأخرى لا تنظر إلى لبنان، إلّا من منطلق المصلحة.

والمصلحة الأوروبية في لبنان تتجاوز “رفاهية” شعبه الى دوره في استيعاب اللاجئين السوريين والفلسطينيين والى النزاع الإيراني-الإسرائيلي والى الغضب العربي والخليجي من الأدوار التي يلعبها “حزب الله”.

إنّ الإتحاد الأوروبي، والحالة هذه، لن يقف مكتوف الأيدي أمام إنهاء وظيفة لبنان، وتالياً، فهو سوف يتعاطى مع المسؤولين عن هذا الإنهيار، بقسوة لن تُخفّف منها،هذه المرّة، العاطفة الفرنسية التي أهانها خداع الطبقة السياسية اللبنانية لرئيسها ايمانويل ماكرون الذي اتهمها بارتكاب فعل…الخيانة.

وعلى المسؤولين اللبنانيين، إذا كانوا لا يهتمون بمصير وطنهم أن يهتموا بمصيرهم، فلا يغشّهم “الإبهام الدبلوماسي”، فأسماؤهم معروفة، وأدوارهم مكشوفة، وحساباتهم كما ممتلكاتهم… معلومة.

ودخول “الإتحاد الأوروبي” على خط لبنان، وفي ظل المنظومة العقابية الجديدة فيه، من شأنه، أيضاً، تغذية الإعتراض الشعبي، لأنّه يوفّر لهذا الإعتراض حماية قوية، إذ إنّ “قانون ماغنيتسكي”، في موضوع الحريات، لم يعد قانوناً أميركياً فحسب، بل أضحى أوروبياً، أيضاً.

إنّ من يكره لغة العقوبات عليه، بادئ ذي بدء، أن يكره أفعاله التي تسبّبت وتتسبّب بتدمير دولة، وإظهارها، بالمقارنة مع عدوّها، لا تستحق لا الحياة ولا الإحترام.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …