بقلم: فيصل عابدون – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تتجه الأمور بين الدول الثلاث الرائدة في منطقة المحيط الهادئ إلى مرحلة من الهدوء، وربما السلام طويل الأمد، بدت ملامحها تظهر من خلال تصريحات عديدة للقادة والسياسيين، وعبر خطوات على الأرض تؤشر إلى تجميد الصراعات الحدودية بين الهند وباكستان من جهة، والهند والصين من جهة أخرى.
ففي منتصف هذا الأسبوع، دعا قائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر جواد باجوا، إلى «دفن ماضي النزاع العسكري مع الهند والتطلع للمستقبل».
وأكد استعداد بلاده لحل جميع النزاعات العالقة من خلال الحوار، بطريقة كريمة وسلمية. وأضاف «أن الوقت قد حان لخلق أجواء التآزر في جنوب آسيا، من خلال الاتصال والتعايش السلمي وتقاسم الموارد لمكافحة الجوع والأمية والمرض، بدلاً من تأجيج الحروب والخلافات».
تصريحات الجنرال التي اعتبرها المراقبون نادرة ومثيرة للدهشة؛ كونها جاءت على لسان أرفع قائد عسكري في باكستان، سبقتها تصريحات تهدئة مماثلة من رئيس الوزراء عمران خان، الذي أكد استعداد إسلام أباد لتسوية جميع القضايا العالقة من خلال الحوار، داعياً القيادة فيما وراء الحدود إلى توفير بيئة مواتية لاستئناف عملية سلام ذات مغزى، وذلك في إشارة خاصة إلى قضية كشمير المتنازع عليها.
ومما لا شك فيه أن رسائل القيادة السياسية والعسكرية الباكستانية، قد وصلت إلى آذان الحكومة الهندية، وربما قبل وقت طويل من إعلانها على الملأ. فهناك تفاهمات وجلسات حوار غير معلنة جرت بين الجانبين وأسفرت عن خطوات عملية على الأرض، لعل من أبرزها إجراءات فك ارتباط القوات في المنطقة الحدودية، ومبادرة فتح الطريق البري بين إقليمي البنجاب الهندي والباكستاني.
وفي هذه الحالة، فإنه يمكن اعتبار تصريحات القيادة الباكستانية موجهة للداخل، وتمهد الطرق أمام مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، على أرضية ابتكار حلول من خارج الصندوق لنزاع كشمير. وتلقت نيودلهي رسائل مماثلة من بكين، تتجه نحو تجميد النزاع على الحدود، وإبطال مفاعلات الحرب، وتعزيز العلاقات المتوترة بين البلدين إيذاناً بدخول مرحلة جديدة من التعاون والازدهار تكرس سلاماً طويل الأمد.
والواضح أن الدول الثلاث لا ترى جدوى في تصعيد النزاعات الحدودية التي تستنزف الموارد والطاقات، علاوة على أنها توفر ظروفاً ملائمة لاندلاع حروب شاملة، في وقت تنخرط فيه هذه الدول في محاولة تحسين اقتصاداتها وتعزيز فرص منتجاتها التنافسية في الأسواق العالمية، وتوفير الخدمات الأساسية لمواطنيها وسد الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
لكن هل بإمكان هذه الاستراتيجية، الصمود في ظل الوجود الأمريكي في المنطقة وعلاقات واشنطن التنافسية المتوترة خصوصاً مع الصين؟
في تقديرات بعض الخبراء، فإن الولايات المتحدة لا تسعى في حقيقة الأمر إلى حرب مفتوحة مع الصين، لكنها تسعى إلى احتواء نفوذها المتزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وفي العالم. وبالتالي، فإن وجودها في قلب التحركات التي تشهدها المنطقة يمكن أن يشكل ضامناً لاستدامة الاستقرار أكثر من كونه دافعاً باتجاه الصدام العسكري.