الرئيسية / مقالات رأي / واشنطن وحلفاؤها والبحث عن معالم نظام دولي جديد

واشنطن وحلفاؤها والبحث عن معالم نظام دولي جديد

بقلم: السفير محمد بدر الدين زايد – المصري اليوم

الشرق اليوم- تدرك الإدارة الأمريكية الجديدة حجم الضرر العميق الذى تركته الإدارة السابقة، وترامب شخصيا فى علاقة الولايات المتحدة بحلفائها، ولهذا لم تكتف هذه الإدارة بالتصريحات العديدة التى أطلقها بايدن خلال وبعد حملته الانتخابية، بل تواصل بكل أجهزتها وقياداتها محاولة رأب الصدع، ومن هنا جاء المقال المهم الذى أعادت “المصري اليوم” نشره الأسبوع الماضى نقلا عن صحيفة “الواشنطن بوست” لوزيرى الدفاع والخارجية الأمريكيين معا، حول مشاركتهما فى مؤتمر يجمع بلدهما مع اليابان وكوريا الجنوبية.

وفى الواقع أن المسألة أكبر من مجرد إصلاح ما فعله ترامب، فتاريخ التحالفات الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية ملىء بنجاحات وتقاليد راسخة، وكذا بإحباطات وفشل، وكثيرا ما كانت هناك شكاوى وتلميحات من دول غربية رئيسية بعد انتهاء الحرب الباردة من تصرفات أمريكية أحادية لم تراع الحلفاء ولا التشاور معهم، وفى غزو الولايات المتحدة للعراق بتنسيق وتشجيع بريطاني، وقفت أطراف أوروبية غربية عديدة موقف المتحفظ بل المعارض لهذه الخطوة، التي سيثبت التاريخ مدى حماقتها وخطورتها ليس فقط على التوازنات الإقليمية، وإنما حتى على وزن الولايات المتحدة الدولي، وفي هذا الصدد فقد كنت دوما وما زلت أعتبر هذه الخطوة هي بداية التراجع الأمريكي عن صدارة النظام الدولي، وهيمنتها التى مارستها فى نهايات القرن العشرين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وكتلته الشرقية، وكانت شواهد ذلك عديدة سواء فى مدى قدرة واشنطن على حشد العالم حولها وهو ما لم يحدث، أو حتى عدم النجاح فى حشد حلفائها الأطلنطيين كلهم حول هذه الخطوة، ثم بعد ذلك في إدارتها للأزمة العراقية وما آلت اليه الأمور حاليا. عموما ما يعنينا من هذه المسألة أن هناك تاريخا من عدم اكتراث واشنطن بحلفائها، وميلها للتصرف كالقوة الإمبراطورية أمر كانت هذه الدول تتحمله فى زمن تهديد الكتلة السوفيتية والدفاع عن النظم الغربية، وضعف هذه الأخيرة واعتمادها الكبير على الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها. وكان من بين التفاصيل الكثيرة والمهمة والمستمرة حتى الآن مسألة سيطرة واشنطن على ترسانتها النووية التي نشرتها في أوروبا الغربية منذ الحرب الباردة، ولكن هذه المسألة لها اعتباراتها الكثيرة المرتبطة بخطورة ودقة التعامل مع هذا السلاح، ولهذا لم يتوقف أحد كثيرا عند بعض الأصوات الأوروبية الغربية التي كانت تثير أحيانا رفضها لنشر هذه الأسلحة أو المشاركة فى قرارات التحكم الاستراتيجي الخاص بها، وعموما بعد مرور سنوات طويلة من التحالف كان من الطبيعى أن تشعر هذه الدول أنها أوفت بدينها لواشنطن، وأن الأمور لم تعد كالسابق وأنها تستحق معاملة أكثر لياقة.

على أن التوقف عند بعض مفردات مقال وزيري الخارجية والدفاع بلينكن، يعطى الضوء على أبعاد مهمة فى صياغة التوجهات الأمريكية للمرحلة المقبلة، على الأقل فيما يتعلق برؤية فريق السياسة الخارجية الجديد، ففى فلسفة التحالف السابقة كانت هذه الدول الشريكة والمتحالفة سواء فى آسيا أو فى أوروبا هى حزام المواجهة ضد الكتلة الأخرى، يشمل هذا نشر الأسلحة وتوسيع النموذج السياسي الغربي الناجح القادر على إسقاط النموذج الآخر الشيوعي والشمولي، وأيضا الداعم اقتصاديا وعسكريا بقدرات متفاوتة زمنيا ومكانيا، إلى مرحلة أخرى بعد الحرب الباردة وانتعاش اقتصاديات هؤلاء الحلفاء، ما دعا إلى مطالبتهم بتحمل مزيد من الأعباء الاقتصادية والعسكرية، ليأتي بعدها ترامب ليحول هذا الحديث إلى خطاب قاس وحاد بشعار أمريكا أولا، يريد فيه تقليص مسؤولية بلاده العسكرية، والاقتصادية، وبشكل أساسي فى الدفاع عن هؤلاء الحلفاء وتحملهم هذه المسؤولية، إلا أن الإدارة الجديدة لا تتراجع فقط عن هذا الخطاب الاستعلائي، بل تتحرك فى إطار خطاب آخر يوشك على التبلور؛ مفاده أن تحديات الخصوم الجدد من التعقد والصعوبة بمكان، وأن واشنطن بحاجة لهؤلاء الحلفاء والشركاء لمواجهة هذه التحولات الجديدة. لم تصل مفردات الخطاب الجديد بعد إلى الحديث عن أن قيادة هذا التحالف الغربي هى قيادة جماعية، ولكنها اكتفت الآن بأن واشنطن تحتاج إلى هذه الشراكة مثلما يحتاج إليها هؤلاء الشركاء.

في لقاء فكري حول سياسات الإدارة الجديدة فى المنطقة، أشرت إلى أن أحد مصادر الصعوبات والتحديات أمام هذه الإدارة الجديدة، أنها ربما كانت أكثر إدارة أمريكية جمعت خبراء لهم تاريخ ومعرفة بشؤون منطقتنا، وأنني أتخيل الحوار بين هؤلاء الخبراء محملا بالكثير من المعلومات والتصورات، كثير منها صحيح وبعضها خاطئ، ولكن من يعرف طبيعة وتعقيدات أجهزة صنع القرار سيكتشف أن مثل هذه التركيبة قد تحمل صعوبات لا تقل عن المزايا، ربما قد تصل إلى بطء عملية اتخاذ القرار الذي نشعر به الآن فى المنطقة.

وفي هذا الصدد أعتقد أن تركيبة الإدارة الراهنة التى تجمع كل هؤلاء الخبراء من خلفيات دبلوماسية واستخباراتية وأكاديمية، تجعل هذه الإدارة أكثر إدراكا بتغير المعادلات الدولية، وحتى تغير طبيعة الخصم وتداخل المصالح فى هذه البيئة الدولية المعقدة، وكل هذا ربما يصب فى شكل جديد لخطاب ومضمون الشراكات الأمريكية الغربية.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …