الشرق اليوم- بعد مرور شهرين على وصول جو بايدن إلى الرئاسة الأميركية، لم تتضح بعد أهمية الحرب الأهلية السورية المدمّرة التي أربكت أسلافه ولا تزال تطارد أقرب مساعديه ودخلت في سنتها العاشرة يوم الاثنين الماضي.
تكشف المؤشرات الأولية أن الملف السوري لم يعد جزءاً من الأولويات الأميركية، فقد تحوّل الانتباه إلى الحرب الأهلية في اليمن والبعثة الأميركية في أفغانستان والدبلوماسية النووية مع إيران. لم يذكر بايدن في أول خطاب له عن السياسة الخارجية منذ توليه منصبه، ولا وزير الخارجية، شيئاً عن سورية.
وفي إشارة أخرى إلى تراجع أهمية سورية مقارنةً بالصراعات الإقليمية الأخرى، لم يعيّن بايدن بعد بديلاً دائماً عن جويل رايبورن الذي كان المبعوث الأميركي الخاص في سورية بعد الدبلوماسي المخضرم جيمس جيفري في السنة الماضية، بل عيّن فريق بايدن المسؤولة في وزارة الخارجية، إيمي كترونا، كممثلة بالنيابة في سورية الغارقة في الحرب.
تقصف الطائرات الحربية السورية والروسية إدلب وأجزاءً من محافظتَي حلب وحماة المجاورتَين منذ سنة تقريباً، مما أسفر عن مقتل المئات وتهجير أكثر من مليون شخص قبل أن تتوصل روسيا وتركيا إلى اتفاق هش لوقف إطلاق النار في مارس 2020. قد يؤدي تجدد الصراع في معقل الثوار المتبقي في سورية إلى انهيار مالي وتأجيج أزمة لاجئين جديدة على أعتاب أوروبا.
في غضون ذلك، تخضع سياسات إدارة بايدن بشأن سورية لمراجعة مشتركة بين الوكالات ويأمل المسؤولون تخفيف الكارثة الإنسانية في إدلب في نهاية المطاف. قد تشمل هذه المراجعة تجديد المساعدات إلى شمال سورية، حيث خفّض الرئيس السابق دونالد ترامب حجم التمويل المخصص للمشاريع القادرة على ترسيخ الاستقرار في المناطق التي كان “داعش” يسيطر عليها.
تزداد الضغوط على الولايات المتحدة أيضاً لاستعراض قوتها الدبلوماسية في مجلس الأمن الذي سيصوّت في شهر يوليو على تجديد نقل المساعدات العابرة للحدود نحو سورية، علماً أن روسيا والصين اللتين تدعمان الأسد وتملكان حق النقض في المجلس المؤلف من 15 عضواً تنويان إلغاء تلك المساعدات.
تقول جومانا قدور، مسؤولة بارزة في “المجلس الأطلسي”: “إنها مرحلة مفصلية بالنسبة إلى إدارة بايدن كي تُجدد العملية السياسية وتُبلِغ روسيا والأسد والإيرانيين بأننا جدّيون بشأن التزاماتنا تجاه سورية”.
ذكر فريق بايدن حتى الآن أنه ينوي دعم تسوية سياسية لإنهاء الصراع في سورية، على غرار ما فعلته إدارة ترامب، لكن فشلت المحادثات التي قادتها الأمم المتحدة بناءً على تلك المقاربة في تحقيق أي نتائج مثمرة، ووصلت الجولة الأخيرة من المفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة في يناير الماضي إلى طريق مسدود.
على صعيد آخر، خفف بايدن الضغوط على الأسد خلال المفاوضات، لكن من المتوقع أن يستعمل قوة العقوبات بموجب قانون قيصر الذي يهدف إلى خنق الأدوات المالية التي يستفيد منها الأسد. دعا مؤيدو هذا التوجه بايدن إلى تكثيف استعمال قانون قيصر وسلطات أخرى لفرض العقوبات تمهيداً لاستهداف المستثمرين الخارجيين والداعمين العسكريين للنظام.
في ظل استمرار الجدل حول الدور الأميركي في إنهاء الحرب الأهلية وراء الكواليس، يتفهم السفير السابق فريدريك هوف، الذي كان مستشاراً في الشأن السوري خلال عهد أوباما، رغبة فريق بايدن في التقليل من أهمية الصراع السوري فيقول: “قد يحاول الكثيرون داخل الإدارة الأميركية البقاء على مسافة من هذا الملف، وهذا الوضع يطرح معضلة حقيقية على الإدارة المثقلة بالأعباء، لكني أخشى أن تكون محاولة منع تفاقم الوضع في سورية مهمّة إلزامية”.