بقلم: أندرو فاينبيرغ – اندبندنت عربية
الشرق اليوم- يوم الإثنين الفائت، اتهم زعيم الأقلية في مجلس النواب كيفن مكارثي الرئيس جو بايدن وإدارته بإثارة “أزمة” على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك. وأورد مكارثي أمام كاميرات الصحافة مع وجود عدد من زملائه الجمهوريين، إن تخلي بايدن عن سياسات عهد ترمب القاسية خلق الفوضى. وقد ألغى بايدن حديثاً سياسات تفرض على مسؤولي الهجرة منع الأطفال غير المصحوبين بذويهم من طلب اللجوء، وتلك التي تتيح لمسؤولي الهجرة اعتقال وترحيل الأشخاص غير الموثقين الذين يحاولون ادعاء القرابة بقاصرين موجودين رهن الاحتجاز لدى “مكتب إعادة توطين اللاجئين” Department of Health and Human Services’ Office of Refugee Resettlement في وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.
وبحسب رواية مكارثي للحوادث، يقوم أفراد دوريات الحدود الأميركية بإلقاء القبض على أشخاص من دول بعيدة كإيران واليمن وسريلانكا، يحاولون دخول البلاد بشكل غير قانوني. وذهب نائب جمهوري آخر، هو العضو البارز في لجنة الأمن الداخلي جون كاتكو، إلى أبعد من ذلك، مدعياً أن عدداً ممن قبض ضباط “الجمارك وحماية الحدود” عليهم مدرجون في قائمة مراقبة الإرهاب التابعة لوزارة “الأمن الوطني”.
في المقابل، بينما يثير الجمهوريون ووسائل الإعلام اليمينية الصخب في شأن “أزمة بايدن الحدودية،” على أمل تحريض القاعدة المناهضة للمهاجرين التي ساعدت ترمب على الفوز بالبيت الأبيض في 2016، يعبر مطلعون سبق لهم العمل في وزارة “الأمن الوطني” وحرس الحدود ووكالات السلطة التنفيذية الأخرى، عن وجهة نظر مختلفة، إذ يرى هؤلاء المطلعون إن عدداً من الادعاءات التي يقدمها الجمهوريون في مجلس النواب وبعض المشاكل التي تحدث على الحدود كبقاء عدد كبير من القاصرين رهن الاحتجاز لدى هيئة “الجمارك وحماية الحدود” مدة أطول من المسموح بها قانونياً وفق المحاكم، تحمل [تلك الادعاءات] جميعها علامات جهد منسق من قبل ضباط حرس الحدود، بما في ذلك قيادة “نقابة حرس الحدود المؤيدة” لترمب، بهدف تقويض الإدارة الحالية.
وفي هذا الصدد، ذكرت جين بود، وهي عنصر سابق في حرس الحدود تحولت ناشطة في مجال حقوق المهاجرين وتعمل مع “ائتلاف مجتمعات الحدود الجنوبية”، إن ما يحدث يشكل “محاولة مخططة ومنسقة تهدف إلى تقويض إدارة بايدن”.
وأضافت بود أن استمرار احتجاز القاصرين غير المصحوبين بذويهم في مراكز حرس الحدود فترات طويلة، يعود على ما يبدو إلى “أزمة داخلية” من صنع الوكالة نفسها، مشيرة إلى أن “الأمر لا يستلزم وقتاً طويلاً كي تعالج ملفات الأطفال”.
وتحدثت بود حول واقعة جرت في 2019 حينما ذهبت إلى مركز حدودي، كما تحدثت إلى حراس يعرفون بأنها تشكل جزءاً من الوكالة، لكنهم لم يكونوا على علم بنشاطها الحالي في مجال الهجرة. وأضافت “لقد سألتهم لماذا يستغرق الأمر كل هذا الوقت في معالجة الملفات، لم يكن الأمر يستغرق وقتاً طويلاً [حتى] عندما كنت أكتب كل شيء يدوياً في الماضي. وقد ردوا “نحاول تعليمهم درساً”. هذا يشير إلى أنهم كانوا يحتجزون الناس هناك عن عمد أكثر من أسبوعين كل مرة في تلك الظروف، بهدف معاقبتهم. يشكل ذلك الدافع الوحيد وراء ذلك التصرف”.
واستطردت بود مشيرة إلى الأشخاص المسؤولين عن المعاملة القاسية للمهاجرين خلال عهد ترمب، ما زالوا هم أنفسهم في مراكز المسؤولية. وأضافت “إنهم يفعلون ذلك عن قصد. لم يتغير شيء من ذلك في الإدارة على الإطلاق. إن نفس الأشخاص الذين فصلوا العائلات وخلقوا الأزمة الأخيرة يفعلون ذلك مرة أخرى”.
في المقابل، ليست إدارة حرس الحدود وحدها هي التي تقوض محاولات إدارة بايدن للتخلص من سياسات الهجرة التي تعود إلى عهد ترمب. إنهم أيضاً مسؤولو النقابة العمالية التي تمثل العاملين العاديين، والمسماة “المجلس الوطني لدوريات الحدود”.
وعلى الرغم من أن معظم نقابات الموظفين الفيدراليين تتوافق تقليدياً بشدة مع الحزب الديمقراطي، فإن نقابة “المجلس الوطني لدوريات الحدود” لم تدعم أي مرشح رئاسي قبل سنة 2016، حينما ألقت بثقلها خلف ترمب. في مقابل ذلك الدعم، أطلق ترمب يد حرس الحدود في تنفيذ سياساته بأقسى طريقة ممكنة. ولقد استمر دعم النقابة للرئيس السابق خلال دورتي انتخابات الكونغرس في 2018 و2020، ومنذ أن ترك منصبه، يتحالف مسؤولو النقابات ضد خليفته الديمقراطي.
في وقت سابق من هذا الشهر، ظهر رئيس نقابة “المجلس الوطني لدوريات الحدود” براندون جود في مؤتمر صحافي مشترك مع حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت، حيث شجب الحاكم تراجع بايدن عن سياسات ترمب، وأعلن أنه سيرسل شرطة “إدارة السلامة العامة” في تكساس إلى الحدود.
وتابع أبوت “لقد خلقت إدارة بايدن أزمةً على حدودنا الجنوبية من خلال سياسات فتح الحدود التي تعطي الضوء الأخضر للعصابات الخطيرة وغيرها من الأنشطة الإجرامية. يشكل أمن الحدود مسؤولية الحكومة الفيدرالية، لكن ولاية تكساس لن تسمح لإخفاقات الإدارة أن تعرض أرواح الأبرياء للخطر. وبدلاً من ذلك، تتقدم ولاية تكساس لسد الفجوات التي تركتها الحكومة الفيدرالية في تأمين الحدود، والقبض على المجرمين الخطيرين، والحفاظ على سلامة أهالي تكساس”.
وتعليقاً على ذلك، أشارت بود إلى أن ظهور جود إلى جانب أبوت مثل محاولة متعمدة هدفها تقويض سلسلة القيادة التي تمتد من عناصر حرس الحدود العاديين إلى الرئيس. وأعربت عن دهشتها من عدم طرده حتى الآن. في المقابل، أوضح مسؤول آخر سابق في وزارة “الأمن الوطني” على دراية بمكايد نقابة “المجلس الوطني لدوريات الحدود”، إن مؤامرات الهمز واللمز التي تزدري سياسات السلطة القائمة تشكل مجرد جزء أساسي من تصرفات النقابة التي تقف منذ فترة طويلة عقبة في طريق أي محاولة جادة لإصلاح نظام الهجرة الأميركي.
واستطراداً، ذكر المسؤول الذي شغل مناصب عليا في إدارات جورج دبليو بوش وأوباما وترمب، إنهم “صدموا” من الكيفية التي نما بها نفوذ تلك النقابة إلى مستويات هائلة في ظل الرئيس الأميركي الخامس والأربعين [ترمب]، لأن قادة النقابة شعروا بجرأة كافية كي ينقلوا أي شكاوى لديهم، مباشرة إلى المكتب البيضاوي. وأضاف المسؤول “لديّ انطباع أن كريس [كراين، رئيس نقابة الهجرة والجمارك]، وبراندون [جود] كانا يتبادلان رسائل نصية مع الرئيس، وكثيراً ما اضطررنا إلى التدخل بسرعة سعياً إلى تهدئة اندفاعهما”.
من ناحية أخرى، أشار عديد من وزراء الأمن الداخلي التابعين لترمب إلى أنهم كانوا في أحيان كثيرة يضطرون إلى ترك أعمالهم سعياً إلى تلبية مطالب رئيسي النقابتين، اللذان كانا يذهبان مباشرة إلى ترمب بدلاً من المرور عبر القنوات الاعتيادية. وأضافوا “أن “تعامل مسؤول في الحكومة بشكل متكرر مع الموظفين العاديين المدرجين في “الجدول العام لموظفي الخدمة المدنية”، شكل أمراً غريباً وشاذاً ومضيعة لوقت عضو في الحكومة، ولكن بدا ضرورياً فعل ذلك بهدف إرضاء هذين الشخصين”.
وفي سياق متصل، ذكر المسؤول السابق أن التواصل المباشر لجود مع ترمب وتأثيره على أفراد الحرس العاديين بات يعني في نهاية المطاف، الرفض الفعلي لأي محاولة من قبل قادة وزارة الأمن الداخلي في تنفيذ سياسة لا تروق لقادة النقابات. وأضاف أن هذا الأمر ما زال مستمراً على الأرجح على الرغم من مغادرة ترمب البيت الأبيض. وبحسب المسؤول نفسه “ثمة سيناريوهات كثيرة يصدر فيها وزير أو رئيس “مكتب الجمارك وحماية الحدود” توجيهاً، ثم يواجه بتعنت مطلق من قبل الهيئة. هناك انعدام للقيادة والسيطرة بطريقة خطيرة”.
في هذا الصدد، أفاد جوليان كاسترو، عمدة بلدة “سان أنطونيو” السابق الذي شغل منصب وزير “الإسكان والتنمية الحضرية” بين عامي 2014 و2017، بأن ظهور النواب الجمهوريين على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك يوم الاثنين الماضي يندرج ضمن نفس سياسة “إثارة الخوف التي يتبعها الجمهوريون عندما يشعرون بأنهم يفقدون قبضتهم على قواعدهم ويخسرون الحجج أمام الديمقراطيين”، وكذلك اعتبرها أيضاً محاولة هدفها صرف الانتباه عن أي آثار إيجابية قد يشعر بها الأميركيون جراء تمرير “قانون خطة الإنقاذ” (من تداعيات أزمة كورونا) المدعوم من بايدن.
وفي السياق نفسه، لفت كاسترو إلى أنه لا يستبعد تواطأ نقابة “المجلس الوطني لدوريات الحدود” مع الجمهوريين بهدف تقويض عهد بايدن لأن ترمب “سمح لتلك الوكالة بالتمرد”، وأتاح للنقابة إملاء سياستها على الوكالة. وأشار إلى أن ترمب “شجع أسوأ غرائزهم، وأجرى 1000 تغيير إداري مختلف، وعزز ثقافة المشاعر المعادية للمهاجرين، وأعتقد أنه في النهاية، من الناحية الإدارية، منحهم بشكل أساسي مزيداً من السلطة في شأن كيفية التصرف”.
وعلى غرار بود، يعتقد كاسترو أنه ينبغي أن تكون هناك عواقب بالنسبة للذين يعملون بنشاط كي يقوضوا إدارة بايدن. ووفق كلماته “يبدو لي أن هناك مجموعة معينة من أفراد الحرس تشعر بالجرأة والتمكين كي تفعل ما تريد، ويجب سحق هذه الثقافة تماماً. لا ينبغي أن يكون لدى الناس على الأرض القدرة على عرقلة الأمور من خلال المماطلة في تنفيذ السياسة أو انتقاء السياسات التي سيلتزمون بها فعلياً. إن لديهم وظيفة يتعين عليهم النهوض بها، ويجب احترامهم في تلك الوظيفة، لكنهم بحاجة إلى أداء المهمة بشكل احترافي، وبما يتماشى مع سياسة الإدارة”.
في سياق مغاير، أفادت بود، العضو السابق في حرس الحدود، بأن أفضل المحاولات لتنظيف البيت في الجمارك وحماية الحدود من قبل وزير الأمن الداخلي الجديد، أليخاندرو مايوركاس، لن تكون كافية طالما استمرت نقابة “المجلس الوطني لدوريات الحدود” في ممارسة حق النقض (الفيتو) الفاعل ضد سياسة الإدارة من خلال “نشر الدعاية” بمساعدة المسؤولين الجمهوريين.
وعندما سئلت عما يمكن أن يفعله بايدن وإدارته بهدف منع تلك النقابة من الاستمرار في التصرف كما لو أن الرئيس لا يضع السياسة، أجابت ببساطة “عليه أن يسحب اعتماد النقابة”.