بقلم: الحسين الزاوي – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تمثل تايوان، على الرغم من صغر حجمها وتواضع عدد سكانها بالمقارنة مع العملاق الصيني، رهاناً كبيراً بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية، ليس فقط من منطلق أهميتها السياسية في المواجهة الدائرة بين واشنطن وبكين، ولكن أيضاً بالنظر إلى قيمتها وقوتها الاقتصادية والتكنولوجية المتنامية على الصعيد العالمي، لاسيما في مجال تطوير وصناعة أشباه الموصلات التي أصبحت تايوان تمثل قاعدتها ومنصتها الأكثر حيوية بالنسبة للصناعات العالمية في المرحلة الراهنة التي يشهد فيها الاقتصاد تباطؤاً غير مسبوق في الدول الصناعية الكبرى نتيجة لتداعيات الجائحة من جهة وبسبب ندرة الشرائح الإلكترونية المنتجة في تايوان وشرق آسيا من جهة أخرى، والتي تدخل كمكوِّن رئيسي في أغلب الصناعات الحديثة وفي طليعتها صناعة السيارات.
ويشير الباحث فانسان تِسوي، إلى أن تطوّر تكنولوجيا أشباه الموصلات في العالم بات له تأثير كبير على الصناعات المتقدمة، وبخاصة بعد الثورة المعلوماتية التي غيّرت عالم الاتصالات وجعلت القسم الأكبر من البشر يرتبطون بشكل غير مسبوق بالمنتجات التكنولوجية التي تحوّلت إلى أجهزة ذكية تمارس دوراً محورياً في حياة الأفراد؛ وفضلاً عن ذلك فإن هذا التطور المضطرد الناجم عن زيادة التخصص في صناعة الشرائح الإلكترونية، دفع الشركات الأمريكية إلى الاعتماد بشكل متزايد على الشركات الآسيوية التي استطاعت أن تؤسّس، في وقت قياسي، قاعدة صناعية كبرى في مجال أشباه الموصلات، وبالتالي فإنه ومع تصاعد الحرب الاقتصادية بين بكين وواشنطن، فإن الدول المُطوِّرة والمُنتِجة لتقنية أشباه الموصلات والشرائح الإلكترونية، باتت تلعب دوراً جيوسياسياً كبيراً في المشهد العالمي الذي يغلب عليه الصراع والتنافس المحموم يين القوى العظمى.
ويذهب البعض، في هذا السياق، إلى تشبيه دور أشباه الموصلات في السياسة العالمية الحالية بالدور الذي لعبه النفط في العقود الماضية بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، وذلك ما يجعل الصراع ما بين بكين وواشنطن بشأن تايوان، التي تحوّلت إلى منصة كبرى للصناعات الإلكترونية، ينتقل من خانة مقايضة الصين بشأن سيادتها على هذه الجزيرة، إلى رهان من أجل الهيمنة في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في العالم؛ لأن استعادة بكين لتايوان سيعزِّز قدرتها على مواجهة واشنطن.
كما أن هذا الرهان العالمي المتعلق بأشباه الموصلات، يُصبح أكثر أهمية عندما نعلم أن شركتين تايوانيتين إضافة إلى شركة «سامسونغ» الكورية الجنوبية، يستحوذون على نسبة 78 في المائة من السوق العالمية لأشباه الموصلات، وأن الشركة التايوانية TSMC تملك أكثر من نصف المسابك والأفران المتخصِّصة في صناعة أشباه الموصلات في العالم، وذلك علاوة على أن الشركات التايوانية تُنفق مبالغ كبيرة في مجال البحث والتطوير من أجل المحافظة على ريادتها في هذا المجال، في سياق لا تستطيع فيه كل الشركات العالمية أن تعدّل من إمكانياتها الصناعية وأن تطوِّر وحدات السباكة لديها من أجل إنتاج شرائح بالغة الدقة تزداد تطوراً مع مرور الوقت، وتتطلب كفاءة تقنية عالية لا تستطيع معظم الشركات العالمية الحصول عليها بتكلفة معقولة.
ومن الواضح أن المكانة الرائدة التي باتت تحتلها تايوان في مجال التكنولوجيا العالية الدقة، يجعل العلاقات ما بين الصين وتايوان من ناحية والعلاقات ما بين بكين وواشنطن من ناحية أخرى، تؤثر بشكل كبير على توازن السوق العالمي في مجال صناعة أشباه الموصلات؛ ومن ثم فإن تزايد التوتر بين الصين وأمريكا سواء بشأن السيادة على تايوان أو في سياق الحرب الاقتصادية بين القوتين العظميين، سيكون له تأثير كبير على استقرار السوق العالمية، لاسيما وأن الرئيس بايدن كان قد صرّح في وقت سابق أن المنافسة مع الصين ستكون شرسة.
وتدفع هذه المعطيات إلى طرح الكثير من التساؤلات حول الدور الذي ستلعبه تايوان مستقبلاً في معادلة السياسة الخارجية الأمريكية لأن هذه الجزيرة إذا ما أصرّت على تجسيد خيار استقلالها الكامل والنهائي عن الصين، ولجأت إلى المواجهة والتصعيد مع بكين، فإنها ستخلق وضعاً جيوسياسياً من شأنه المساعدة على ترسيخ هيمنة واشنطن على العالم، وعلى انحسار قوة «الصين الشعبية» بسبب تحالف الابنة «الضّالة» «الصين الوطنية» مع الغرب بقيادة أمريكا.