بقلم: د.طارق فهمي – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – لا تحتاج روسيا لإعادة تقديم دورها في الإقليم، فهي موجودة في منطقة الخليج العربي، وفي سوريا وليبيا ومنطقة شرق المتوسط، بل وفي مناطق التماس العربية الأفريقية، وهذا واضح من جملة التحركات الروسية مؤخرا في الشرق الأوسط، وكذلك في القوقاز وجمهوريات آسيا الوسطى، ومناطق نفوذها التقليدية.
روسيا تتعامل مع هذه المناطق، انطلاقاً من علاقاتها التاريخية والسياسية، والتي تؤكد الحضور الروسي في مناطق مختلفة، وهي رسالة أولي للإدارة الأميركية التي تسعى لمحاصرة التمدد الروسي، والوقوف أمامه، وإشغال السياسة الروسية بمزيد من الصراعات والمشاحنات السياسية والاستراتيجية، بل والعمل على نقل رسائل تبدو أميركية عاجلة من خلال التدخل في الشؤون الداخلية الروسية، واستمرار سياسة فرض العقوبات باعتبار أن هذه الآلية الأميركية قد تكون مفيدة كما يتصور مستشارو البيت الأبيض الذين ينظرون من أعلى، وليس من خلال مصالح قد تكون متقاطعة بين الأميركيين مع الجانب الروسي، بل والأوروبي، وبدليل الدخول في سلسلة من المواجهات غير المبررة مع الأصدقاء، والشركاء جنباً إلى جنب من تراه الإدارة طرفاً مناوئاً، وهو ما ينطبق على الجانب الروسي والصيني والإيراني والكوري الشمالي، مما قد يوسع من نطاق المواجهات الأميركية في العالم، وليس في منطقة واحدة، وهو ما سيستغله الجانب الروسي جيداً، اعتماداً على خياراته المصلحية، لهذا كان تحرك الدبلوماسية الروسية تجاه الخليج العربي، وفي اتجاه العراق وسوريا، وفي الملف الإيراني لتأكيد حضورها الاستراتيجي في ملفات الإقليم الساخنة، وهو ما سيؤكد واقعياً على طبيعة الدور المركزي والرئيس للدولة الروسية، خاصة وأنها تتحرر من أعبائها الداخلية من خلال سياسة متوازنة تركز على الثوابت في مسارات التحرك، والانطلاق لبناء استراتيجية دائمة مع الحلفاء، انطلاقاً من مصالح الجميع وليس مصلحة طرف واحد، وهو ما يؤكد أننا أمام دبلوماسية رشيدة تسير في اتجاه العودة للتفاعل مع قضايا العالم، والعمل على مواجهة المخطط الأميركي الرامي إلى استعادة نفوذ واشنطن في العالم.
ولهذا فإن التحرك الروسي الأخير في الشرق الأوسط يأتي ضمن مخطط روسي واضح ومدروس وهو ما برز من خلال جولة وزير الخارجية، ومبعوث الرئيس للشرق الأوسط سيرغي لافروف، إلى كل من الإمارات والسعودية وقطر، والرسالة البليغة مفادها أن روسيا تمكنت خلال السنوات الأخيرة أن تلعب دورا مهماً، انطلاقاً من سوريا، ومن علاقاتها بجميع دول المنطقة التي تعتبر علاقاتها تصب في إطار سياسي واستراتيجي مع دول الخليج.
كما أن دخول روسيا إلى المياه الدافئة، وراءه حلم روسي قديم من أيام القيصر، وهو ما يتحقق اليوم، وله أبعاد استراتيجية ممتدة، فروسيا لم تكن موجودة سابقا في المتوسط، وهي اليوم موجودة في طرطوس ومناطق التماس في المتوسط وفي المناطق الاستراتيجية الممتدة، ولهذا تتخوف الولايات المتحدة من احتمال الذهاب إلى حرب باردة جديدة في الفترة المقبلة، خاصة مع التوقع بأنه لا أفق جديداً للعلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، ولا أمل في أي تقدم للعلاقات بين البلدين في ضوء الوضع الراهن، في ظل تأكيدات الرئيس بايدن بأنه يتجه لإجراء مراجعة لمجمل العلاقات بين واشنطن وموسكو، بوصف روسيا تشكل خطراً على المصالح الأميركية في العالم.
وتحذر روسيا من جولة جديدة من المواجهة وفي منظورها أن الزمن قد تغير، ومحاولات إملاء الحقائق الجيوسياسية الحديثة تأتي بنتائج عكسية خاصة أن العلاقات بين موسكو وواشنطن معقدة، وتتضمن العديد من الملفات والمصالح، وهي ليست علاقات ثنائية عادية. والسؤال هل تدرك الولايات المتحدة ذلك، خاصة أن الجانب الروسي لن يتراجع عن حضوره الاستراتيجي في المنظومة الإقليمية والدولية مناكفة للسياسة الأميركية الراهنة.