بقلم: د. عبدالله العوضي – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – أميركا مختلفة عن بقية العوالم. وفي الحراك السياسي هي نموذج فريد مقارنةً ببقية الديمقراطيات، سواء في أوروبا أو في بعض الدول الآسيوية. ولسنا هنا في موضع المقارنة، ولكن نموذج ترامب يعطي صورة واضحة لما نريد إيصاله. يكفي أن ترامب كما هو، سواء كان في السلطة وخارجها.. كيف؟!
ترامب شخصية متقلبة على مدار الساعة، لا تأخذ منه شيئاً ولا يعطيك شيئاً، ولا أعني بذلك البعد الخارجي، فهو ليس أولوية مقارنة بالبعد الداخلي الذي يحتم مصير فوز أي رئيس مقبل لأميركا.
لقد ألقى ترامب كلمة في الملتقى السنوي للمحافظين الأميركيين بمدينة أورلاند، في ولاية فلوريدا أظهر فيها، وكأنه لا زال رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.
ومن جملة ما ذكره، لا أنوي تشكيل حزب جديد، والحزب «الجمهوري» متحد وأكثر قوة من السابق. وهو الذي أعلن قبل مغادرته السلطة بفترة قصيرة، عن تأسيس حزب جديد يعيده مرة أخرى إلى واجهة الحياة السياسية ولو بعد ثمانية أعوام.
ففي ديسمبر 2020، قال ترامب: لقد كانت أربع سنوات رائعة، ونحاول أن نكمل أربع سنوات أخرى، وإلا سأراكم من جديد بعد أربع سنوات.
في الوقت ذاته الذي يتحدث إلى بايدن بفرضية الاحتيال في نوفمبر 2020 فقال بأنه: لن يتمكن من دخول البيت الأبيض، إلا إذا تمكن من إثبات حصوله على 80 مليون صوت حقيقي من دون تجاوزات.
وهو الذي لاحقته تهمة التزوير طوال فترة حكمه ولا زال. ترامب أطلق مباشرةً، حكماً على فترة بايدن بقوله: (كنا نعلم جميعاً أن إدارة بايدن ستكون سيئة، لكن لم يتخيل أحد منا أنهم سيكونون بهذا السوء). في السياسة هذا الوصف غير مقبول على ممارسة لم تمر عليها فترة كافية لإصدار أحكام موضوعية على الأداء السياسي، بل وقد زاد ترامب الكيل على بايدن، عندما قال بأن: إدارة الرئيس بايدن فشلت في تطبيق القوانين الأميركية، وهذا سبب كافٍ كي يخسر «الديمقراطيون» في انتخابات التجديد النصفي والانتخابات الرئاسية المقبلة،
وسنستعيد الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، وسيفوز «جمهوري» برئاسة البلاد في الانتخابات المقبلة.
وعاد الحديث في ذات اللقاء عن بعض الإنجازات وهو في سدة الحكم، ومنها حين ذكر: رعينا اتفاقيات سلام تاريخية وعظيمة في الشرق الأوسط، لم يتصور أحد أنها ممكنة. ليس في السياسة قطع، بل النسبية هي الطاغية، في الزمن الخالي كذلك لم يتصور أحد بأن اتفاقية «كامب ديفيد» ولا «وادي عربة».
فكل الإدارات الأميركية مرت بفترات مفعمة بإنجازات وأخرى سيئة، فليس في ذلك فضل لرئيس على آخر، وحتى في ما يتعلق بجائحة «كورونا»، التي كان يسخر منها أثناء ولايته ويستهين بشأنها ويلقي باللائمة على الصين، وعندما أصيب بها لم يكن يعترف بالاحترازات التي جرى سريانها في العالم.
فقد كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» في فبراير 2021 بأن حالة ترامب، أثناء إصابته بفيروس كورونا كانت أخطر مما تم الإعلان عنه للجمهور، وأنه كان على وشك إخضاعه للتنفس الصناعي، وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب أصيب بارتشاح الرئة، وكانت هناك مخاوف بشأن مستوى الأوكسجين لديه. نخرج من ذلك، بأن أميركا دولة المؤسسات هي سر بقائها، وليس أشخاص الرؤساء الذين يقامرون بمستقبل دولهم فيعيدهم النظام العميق إلى حقيقة أوزانهم.