بقلم: د.إدريس لكريني – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – عاد موضوع الملف النووي الإيراني بقوة إلى واجهة الأحداث الدولية، مع وصول جو بايدن، إلى البيت الأبيض، حيث تناسلت الأسئلة حول ما إذا كان الرئيس الأمريكي الجديد سيستمر على منوال الصرامة في التعاطي مع الموضوع على نهج سلفه دونالد ترامب الذي سبق وأعلن عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق المبرم في هذا الخصوص عام 2015، بين إيران من جهة والصين وروسيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا من جهة أخرى، أم سيبلور سياسة أكثر مرونة وانفتاحاً، تفضي إلى العودة للاتفاق من جديد، ولرفع العقوبات المفروضة على إيران في هذا الخصوص.
تبرز الممارسات الإصرار الشديد لإيران على الولوج إلى النادي النووي، عبر استثمار كل السبل، واللعب على عنصر الوقت، والاستئناس بدعم بعض القوى الدولية الكبرى، كروسيا والصين، والاستفادة من التجربتين الكورية الشمالية والباكستانية اللتين اعتمدتا أسلوب فرض الأمر الواقع، بالإعلان عن تجارب نووية فاجأت العالم.
تثير التوجهات النووية الإيرانية مخاوف دولية وإقليمية كبرى، بالنظر إلى سياساتها العدائية، وتدخلاتها المتزايدة في محيطها، ولذلك لا تتردد دول المنطقة العربية وعدد من القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة في اعتبار امتلاك إيران للسلاح النووي مغامرة غير محسوبة العواقب، يمكن أن تهدد السلم والأمن الدوليين في منطقة معروفة بأوضاعها الأمنية الهشة أصلاً.
عندما تم الإعلان عن الاتفاق النووي عام 2015، برزت مواقف مختلفة بشأنه، وتباينت فيها الآراء إجمالاً، بين من اعتبر الأمر فرصة جيدة كفيلة بتعزيز السلم والاستقرار في المنطقة تسمح بكبح الطموحات الإيرانية الرامية لتحويل إمكانياتها النووية نحو المجال العسكري، وهو ما يمكن استخلاصه من المواقف الصادرة عن الأمم المتحدة ومجموعة من دول الاتحاد الأوروبي كألمانيا وبريطانيا وفرنسا، إضافة إلى الصين وروسيا، وبين من عبّر عن مخاوف جدية بشأن مدى نجاعة وقدرة الاتفاق على إرساء رقابة فاعلة تكفل دفع إيران إلى الاكتفاء باستثمار الطاقة النووية في المجالات المدنية، وهي المخاوف التي باتت موضوعية بالنظر للسياسات المعادية لإيران تجاه عدد من دول المنطقة، ويمكن أن ندرج هنا مواقف كل من الولايات المتحدة وعدد من الدول العربية وكندا.
لا يمكن توقع حدوث تغيير كبير في الأسلوب الأمريكي المعتاد للتعامل مع الملف النووي الإيراني، فالعلاقات بين الجانبين يشوبها الشك والحذر من الجانبين منذ عدة عقود، كما أن الولايات المتحدة واعية بحجم الخطر الذي يمثله التمدد الإيراني في المنطقة على مصالحها الحيوية.
في مقابل الأصوات الدولية التي تطالب بتوخي الحوار والتواصل البنّاء الكفيل بإقرار السلم والأمن بالمنطقة، مع دعوة دول الاتحاد الأوروبي للقيام بمبادرات لتلطيف الأجواء، ومنع خروج الأمور عن نطاق السيطرة، تحاول إيران اللعب على مجموعة من الأوراق كسبيل لتقوية موقفها، سواء عبر إطلاق صقور النظام لتهديدات تفيد بإمكانية الحد من تحرك المراقبين الدوليين التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية، داخل ترابها، أو القيام بمناورات عسكرية، ثم التمادي في تدخلاتها المختلفة داخل محيطها بصور تعمق أزمة النظام الإقليمي العربي، في الوقت الذي تصرّ فيه بعض النخب السياسية الأمريكية على ضرورة توافر ضمانات رقابية حقيقية تقدّم للولايات المتحدة، قبل الإقدام على أية خطوة تواصلية مع إيران قد تفضي إلى رفع العقوبات، بل لا تتوانى في المطالبة باعتماد الصرامة في التعامل مع الملف.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الإدارة الأمريكية الحالية لا يمكن أن تقبل بنود الاتفاق كما هي، ما لم تقدم إيران من جانبها تنازلات تكفل قدرا من الثقة التي يمكن أن تدفع الطرف الأمريكي إلى التخفيف من حدة العقوبات المفروضة على طهران، ما قد يفضي إلى عودة جديدة للاتفاق بعد إدراج بنود تدعم فرض رقابة أكبر على المنشآت النووية الإيرانية.
بين رؤية تفاؤلية ترى بإمكانية تجاوز المأزق الذي وصل إليه الملف النووي الإيراني بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق من خلال توظيف الدبلوماسية الإنسانية القائمة عبر توجيه المساعدات لإيران بعد تزايد الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها جائحة كورونا فيها وتقديم تنازلات من قبل الطرفين.. وأخرى لا تخلو من تشاؤم، ترى المستقبل قاتما، ستصبح معه المنطقة العربية حلبة للمواجهة بين الجانبين.. يبقى دور الأمم المتحدة قائما لاتخاذ ما يلزم، فيما على الدول العربية بلورة موقف موحد يضمن مصالحها الاستراتيجية دون ربطها بالضرورة بمصالح هذا الطرف أو ذاك.