بقلم: عاصم عبدالخالق – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – العقوبات مثل المضاد الحيوي تفقد مفعولها عند استخدامها بجرعات كبيرة ولفترة زمنية طويلة.
كل المؤشرات تفيد بأن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في طريقها لفتح صفحة جديدة مع إيران، وأنها اتخذت قرارها بالعودة إلى الاتفاق النووي إلا أنها تؤخر الإعلان عن ذلك.
الإشارات الايجابية الصادرة عنها، وانفتاحها على التفاوض ليس أكثر من مساومة علنية لإيران، ومحاولة لإغرائها وتليين موقفها؛ للتوصل إلى حل وسط يتيح عودة كريمة لواشنطن إلى الاتفاق من دون أن تبدو وكأنها تراجعت.
فضلاً عن رغبتها في ألا تكون عودتها مجانية، فلا بد من مقابل تقدمه إيران قد يكون في صورة تعهد بإجراء مفاوضات على معاهدة أوسع نطاقاً؛ وهو مطلب ضروري يحتاج إليه بايدن؛ لتسويق موقفه داخلياً.
ولن تكون مفاجأة كبيرة إذا كشفت وسائل الإعلام قريباً عن اتصالات مباشرة أو غير مباشرة جرت أو تجري في سرية وهدوء بين البلدين؛ للاتفاق على الخطوة القادمة. تحرك إدارة بايدن في هذا الاتجاه، ينسجم مع موقفه المعروف بالرغبة في العودة للاتفاق الذي ألغاه الرئيس السابق دونالد ترامب. ومما يعزز موقف بايدن أيضاً أن سياسة العقوبات القصوى التي اتبعها سلفه لم تؤتِ ثمارها باعتراف الجمهوريين والديمقراطيين على السواء.
اكتشف صانعو القرار في واشنطن منذ وقت غير قصير أن العقوبات الصارمة على الرغم من ضررها الاقتصادي الكارثي على إيران فإنها لم تحقق المطلوب؛ بل جاءت بنتائج عكسية. وكان ترامب قد حدد أهدافه في الخطاب الذي وجهه إلى الأمة في مايو / أيار 2018؛ لتبرير الانسحاب من الاتفاق، معتبراً أن المكسب الأكبر المتوقع هو تقليص خطر البرنامجين النووي والصاروخي لإيران، ومحاصرة نفوذها الإقليمي، وشل قدرتها على دعم الإرهاب وفقاً لوصفه. غير أن الأيام أثبتت أن شيئاً من هذه الأهداف لم يتحقق.
وتقدم مجموعة الأزمات الدولية؛ وهي منظمة بحثية مرموقة، تفسيراً جيداً لهذا الإخفاق الأمريكي توضح فيه، أن السبب هو انطلاق إدارة ترامب من افتراضين خاطئين؛ الأول الاعتقاد بأن العقوبات الصارمة؛ ستجبر إيران على تقديم تنازلات مؤلمة بتقليص نفوذها الإقليمي وتدخلاتها في المنطقة. غير أن ما حدث هو العكس تماماً فقد استمر التدخل الإيراني من اليمن إلى سوريا ومن العراق إلى لبنان.
الافتراض الخاطئ الآخر، هو أن إيران لن تجد مفراً من تجميد برنامجها النووي تجنباً لمزيد من الضغوط. هنا أيضاً حدث العكس وأصبحت إيران وبصورة منهجية تنتهك التزاماتها الواردة في الاتفاق النووي الموقع في 2015. ثم قررت التوسع في برنامجها النووي؛ رداً على اغتيال كبير علمائها محسن فخرزاده في نوفمبر / تشرين الثاني 2020.
ويحصي الخبراء عشرات الخروق الإيرانية منها على سبيل المثال زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم التي حددها الاتفاق عند 3,67% هبوطاً من 20% لمدة 15 سنة. وفي يناير / كانون الثاني 2020 قررت إيران العودة إلى تلك النسبة مرة أخرى.
تجاوزت أيضاً سقف كميات اليورانيوم المخصب المسوح بالاحتفاظ بها وهي 202,8 كيلوجرام، وباتت تمتلك نحو ثلاثة أطنان؛ أي 14 ضعف ما حدده الاتفاق. كما زادت من عدد أجهزة الطرد المركزي الذي كان الاتفاق قد قلصه إلى الثلث؛ بل استخدمت جيلاً أحدث مما كان لديها.
على الجانب السياسي تسببت سياسة ترامب وقراراته الأحادية بشأن إيران في خلافات مع الحلفاء الأوروبيين الذين وقعوا على الاتفاق، وتمسكوا به. كما أثار غضب الدول الأخرى التي فرض عليها الالتزام بالعقوبات، والمشاركة في الحصار الاقتصادي لإيران متسبباً لها بخسائر اقتصادية كبيرة.
أهم أخطاء ترامب التي أبعدته عن تحقيق هدفه أنه تجاهل قاعدة الثواب والعقاب في تعاملاته مع إيران. لوح لها بالعصا طوال الوقت، ونسي الجزرة. وتعبر دورية «اطلانتك كاونسل» عن هذه الحقيقية البسيطة بقولها: إن العقوبات مثل المضاد الحيوي تفقد مفعولها عند استخدامها بجرعات كبيرة ولفترة زمنية طويلة. ويبدو أن إدارة بايدن فطنت إلى بقاء العلة، وتبحث عن علاج جديد.