بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – بتسلم حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، مهامها رسمياً في طرابلس، تبدأ ليبيا أدق مراحلها الحاسمة بالسعي إلى التحرر التدريجي من الأزمات ووضع حد لسنوات من الفوضى والضياع والتدخل الخارجي وانتشار الإرهاب.
وسيكون هذا الطموح قابلاً للتحقيق في ظل ما يظهر من تصميم جماعي على تنفيذ التوافقات والوفاء بالوعود التي قطعتها جميع الأطراف في الاجتماعات والمؤتمرات الماراثونية طيلة العام الماضي.
محمد المنفي وعبد الحميد الدبيبة، وفريقاهما في المجلس الرئاسي والحكومة سيخضعان لامتحان متعدد الفصول والمصاعب، والرهان سيكون النجاح في تتويج هذه المرحلة الانتقالية بانتخابات عامة في ديسمبر / كانون الأول المقبل، ستفضي بالبلاد إلى عهد الشرعية الكاملة ودستور ينظم الحياة السياسية ويعوض للشعب الليبي ما قاساه من حرمان جراء الانفلات الأمني وسطوة الميلشيات والهيمنة المتعددة الجنسيات.
بعد الخطوات الناجحة لانتقال السلطة، يمكن لتلك الصفحة القاتمة أن تطوى نهائياً وأن تينع قيم التسامح والمصالحة والتآخي بين جميع أبناء الشعب الليبي من مختلف المناطق والأقاليم، وعندها ستكون هناك دولة قوية يكون لها وحدها الحق في فرض القانون والنظام ومحاسبة من أجرم في حق الشعب وتعدى على السيادة الوطنية، وقد تكون مثل هذه التطلعات مجرد شعارات سياسية استوجبها الحماس للخلاص من براثن الأزمة المزمنة، ولكنها يمكن أن تصبح حقيقة قائمة حين تتوفر الإرادة والتعاون بين كل الأطراف من أجل رسم معالم زاهرة للمرحلة المقبلة.
من العقبات المستعصية أمام استقرار ليبيا، تفكيك الميليشيات ونزع سلاحها، وهي مهمة ليست سهلة على الإطلاق وستتطلب تعاملاً سياسياً دقيقاً، فمثل هذه المهمة لن تحلها القبضة الأمنية ولا استخدام القوة لأن ذلك سيؤدي إلى نتائج عكسية، ويبدو أن القيادة الجديدة في ليبيا واعية لهذا الأمر، وعليه ستكون لها مقاربة خاصة لتصفية السلاح والميليشيات، ربما عبر المصالحة الوطنية والعفو التشريعي المشروطان بمحاسبة من تجاوز الخطوط الحمراء، وهو ما أكده المنفي والدبيبة، على السواء، في أكثر من مناسبة، مع تأكيد الحرص على جبر الأضرار والتعويض لمن تعرضوا لانتهاكات. أما خروج المرتزقة الأجانب، فهو مطلب ليبي وطني مدعوم من قرارات الجامعة العربية والأمم المتحدة، وخصوصاً من دول الجوار الليبي التي عانت طويلاً من تداعيات عدم الاستقرار في بلد يحتل موقعاً جيوسياسياً حيوياً عربياً وأفريقياً وأوروبياً.
عودة الاستقرار إلى ليبيا مكسب إقليمي سينعكس بقوة على قضايا التنمية والأمن ومكافحة الإرهاب، فالبلد سيكون ورشة واسعة لإعادة الإعمار وقبلة للاستثمار، نظراً لما يمتلكه من ثروات ومؤهلات اقتصادية. وبسبب الصراعات بين قوى مختلفة طالت أزمته عقداً من الزمان. ورغم الخسائر الفادحة في شتى المجالات، باتت هناك فرصة للتدارك والبناء على ما تحقق، فليبيا اليوم، وبعد تجربتها المريرة، لن تكون كما كانت أيام الملكية، ولا حقبة الراحل معمر القذافي، ولا استمراراً لحالة الفوضى والانقسام، بل ستكون عهداً جديداً وشعباً له مطلق الطموح في أن يبني غده كما يحلم ويريد.