بقلم: خيرالله خيرالله – النهار العربي
الشرق اليوم– ليست وفاة سبعة مواطنين أردنيين في مستشفى الحسين في مدينة السلط حدثاً عادياً في بلد يعيش في ظلّ تحديات عدّة في مقدّمها الوضع الاقتصادي والمتغيّرات الإقليمية والدولية.
الواضح أن الملك عبدالله الثاني، بحسّه السياسي، التقط سريعاً معنى انقطاع الأوكسيجين عن مرضى كوفيد-19 هم في أشدّ الحاجة اليه في ظلّ الظروف التي تعيشها المملكة. سارع العاهل الأردني، يرافقه وليّ العهد الأمير الحسين بن عبدالله، الى مدينة السلط والى المستشفى الذي يحمل اسم والده لاحتواء الوضع والحؤول دون أي نوع من التداعيات. هذا ما حصل بالفعل. اطمأنّ المواطنون الى وجود ملك يشعر بما يشعرون به. سارع الى دفع وزير الصحّة ومدير المستشفى الى الاستقالة فوراً.
صار مصير حكومة بشر الخصاونة مطروحاً، نظراً إلى أنه ليس طبيعياً مرور موت سبعة مواطنين بسبب انقطاع الأوكسيجين عنهم مرور الكرام، أي من دون محاسبة. لا يتعلّق الأمر بحادث معزول بمقدار ما يتعلّق بفعالية الإدارة الأردنية التي تبيّن مرة أخرى أنّها ليست في مستوى التقدّم الذي شهدته المملكة بفضل الرؤية التي عمل عبدالله الثاني من أجلها.
تكمن أهمّية الأردن، تاريخياً، في قدرته على التأقلم مع المتغيّرات الإقليمية والتكيّف معها. في هذه القدرة على التأقلم والتكيّف، يمكن اكتشاف ذكاء الملك عبدالله الثاني الذي تواجه بلاده وضعاً جديداً ناجماً عن تغيير كبير في المعطيات التي مكّنت الأردن من المحافظة، في الماضي، على دوره وتأكيد انّه حاجة إقليمية.
في طليعة المعطيات التي تغيّرت، العلاقة بإسرائيل وببنيامين نتنياهو بالذات. لم تعد إسرائيل في حاجة الى الأردن كممر إلى دول الخليج العربي في ضوء التطورات التي شهدها العام 2020 والتوصل الى اتفاقات مع عدد من دوله.
إضافة إلى ذلك، ليس سرّاً أن “بيبي” لا يكنّ ودّاً للأردن وللملك عبدالله الثاني بالذات. على العكس من ذلك، يبدو أن لديه حساباً يريد تصفيته مع المملكة الهاشمية بسبب حماية نفسها باتفاق السلام مع إسرائيل في تشرين الأوّل (أكتوبر) 1994. حمى هذا الاتفاق الأردن نهائياً من فكرة الوطن البديل للفلسطينيين وقضى عليها.
في 1994، التقط الملك حسين الفرصة ودفع في اتجاه التوصّل الى اتفاق وادي عربة الذي وقعه من الجانب الأردني رئيس الوزراء عبدالسلام المجالي ومن الجانب الإسرائيلي رئيس الوزراء إسحق رابين. حافظ الأردن على حقوقه في الأرض والمياه ورسم فوق ذلك حدوده مع إسرائيل ومع الدولة الفلسطينية التي كان مفترضاً أن ترى النور يوماً.
تصرّف نتنياهو من منطلق انّه غير راضٍ عن اتفاق السلام الأردني – الإسرائيلي. عمل كل ما يستطيع من أجل القضاء على خيار الدولتين، أي على خيار قيام دولة فلسطينية، وهو مصلحة أردنية. ذهب في سياسته الاستيطانية في الضفّة الغربيّة الى أبعد من ذلك عندما طرح مسألة السيطرة على منطقة الغور، وهو أمر اعتبره الأردن تهديداً مباشراً لأمنه.
لم يتوقّف “بيبي” في يوم من الأيّام عن الإساءة الى الأردن والتنكر لاتفاق السلام بين البلدين مستفيداً على وجه الخصوص من العلاقة التي ربطته بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي اعترف بالقدس كلّها عاصمة لإسرائيل. تجاهل ترامب أن القدس الشرقيّة محتلة، كما تجاهل وجود وصاية أردنية، تعترف بها إسرائيل، على الأماكن المقدّسة في القدس، خصوصاً المسجد الأقصى. عمل “بيبي” من أجل إحباط زيارة كان مفترضاً أن يقوم بها وليّ العهد الأردني للمسجد الأقصى والصلاة فيه. اختلق كلّ الأعذار الممكنة كي لا تعود الزيارة ممكنة.
الأكيد أن الوضع الداخلي للأردن دقيق الى حدّ كبير. هناك تغييرات كثيرة… غير الموقف العدائي لنتنياهو، طرأت في السنوات القليلة الماضية وعملت في غير مصلحة الأردن. من بين هذه التغييرات زيادة عدد السكان، خصوصاً في مرحلة ما بعد الاجتياح العراقي للكويت في 1990 وانتقال معظم فلسطينيي الكويت الى المملكة الهاشمية ثم توقف التسهيلات النفطية العراقية بعد 2003 وهبوط تحويلات الأردنيين العاملين في دول الخليج والمساعدات الخليجية في السنوات القليلة الماضية. يضاف الى ذلك همّ اللاجئين السوريين الذين أخرجهم بشار الأسد من أرضهم والذين يعاملهم الأردن معاملة تقوم على عدم التمييز، قدر المستطاع، بينهم وبين المواطن الأردني.
يواجه الأردن، تحديات كثيرة. واضح أن عبدالله الثاني يدرك مدى حساسية الوضع الداخلي والظروف الصعبة التي تمرّ فيها المملكة التي لا تمتلك ثروات طبيعية وعليها الاتكال على الثروة الإنسانية التي استثمر فيها.
هذا لا يعني أنّ الأبواب مسدودة في وجه الأردن، خصوصاً أنّ ثمّة مؤشرات تدعو الى بعض التفاؤل. بين هذه المؤشرات أنّ إدارة جو بايدن متعاطفة مع المملكة خلافاً لإدارة ترامب. هناك أيضاً تحسّن في العلاقات الأردنية – الخليجية عبرت عنها الزيارة الأخيرة التي قام بها عبدالله الثاني ووليّ عهده الى السعودية. هناك أيضاً اتفاقات مع العراق توصّل اليها رئيس الوزراء الأردني الذي زار بغداد أخيراً، كما هناك تنسيق مصري – عراقي – أردني… وهناك احتمال، وإنْ كان ضعيفاً جداً، بحصول تغيير في إسرائيل لغير مصلحة نتنياهو، في ضوء الانتخابات المقررة قبل نهاية الشهر الجاري.
مرّة أخرى، وضع عبدالله الثاني نفسه في الواجهة. يعرف جيّداً أهمّية تماسك الجبهة الداخلية في الأردن. لكن الحاجة تبدو أكثر من أي وقت الى دور أكثر فعالية لمؤسسات الدولة، بما في ذلك الحكومة، كي تشكل حماية لمؤسسة العرش ودرعاً لها بما يغني عن اضطرار الملك الى النزول بنفسه مع وليّ العهد الى الشارع لمعالجة كلّ صغيرة وكبيرة.