بقلم: علي حمادة – النهار العربي
الشرق اليوم – حتى الآن يبدو أن طرفي “أزمة” العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني عالقان فوق شجرة المناورات ويعجزان عن النزول منها.
فالولايات المتحدة التي سبق أن انسحبت منه خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، تريد العودة إليه بعد انتخاب جو بايدن رئيساً، بشروط، وإيران تريد العودة من دون شروط أميركية، خصوصاً انها واجهت انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق وفرضها عقوبات قوية ضدها بإطلاق حملة متصاعدة للتحلل من التزاماتها المنصوص عنها في الاتفاق النووي الذي لم يخرج منه باقي الأطراف الموقعين عليه أي مجموعة (5+1) للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا.
هكذا يبدو المشهد مضعضعاً، وتبدو الصورة مشوشة، وإن تكن غالبية المراقبين الدوليين تتفق في تقديراتها أن إدارة بايدن تريد العودة الى الاتفاق بأسرع وقت، وقفاً لقراءة تفيد بأن الاتفاق النووي هو الطريق الأسهل لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي.
وهنا، ثمة تأكيدات متكررة من الرئيس بايدن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، أن العودة الآلية إلى الاتفاق غير ممكنة من دون جملة شروط مطلوبة من إيران: أولاً أن توقف إيران فوراً خروقاتها للاتفاق، وتبدأ بسلوك الاتجاه المعاكس في ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، وزيادة عدد أجهزة الطرد. وثانياً أن تقبل بالتفاوض على الملفات الخلافية الأخرى مع الولايات المتحدة والثلاثي الأوروبي (فرنسا، ألمانيا وبريطانيا) المتعلقة بتطوير برنامج الصواريخ الباليستية الدقيقة التي تهدد أمن دول الجوار وصولاً إلى أوروبا، وكذلك أن تفتح مفاوضات بشأن تدخلاتها في دول الجوار المزعزعة للاستقرار، والمهددة لأمن الدول المعنية. ولكن هذه التأكيدات الأميركية لم تمنع واشنطن من اتخاذ عدد من الإجراءات التخفيفية في ما يتعلق بالعقوبات الأميركية على إيران، بدءاً من تخفيف القيود على سفر الدبلوماسيين الإيرانيين إلى نيويورك لحضور اجتماعات الأمم المتحدة والإفراج عن حوالي ثلاثة مليارات دولار أميركي محتجزة في كل من العراق، وكوريا الجنوبية، وسلطنة عمان. كما أن التصعيد الإيراني الذي تجلى خلال الشهر الفائت برفض طهران الدعوة الأوروبية للمشاركة في اجتماع تشاوري تحضره الولايات المتحدة للبحث في إمكانية إعادة تفعيل الاتفاق النووي. وتجلى التصعيد أكثر من خلال زيادة طهران خروقاتها للاتفاق النووي، والبروتوكول الملحق، وتقييدها عمل مفتشي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، ورفعها نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المئة. ومع ذلك، يمكن التوقف عند تصريحات لمستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان قبل أيام أكد فيها أن بلاده بدأت وإيران في إجراء اتصالات دبلوماسية غير مباشرة عبر أطراف أوروبيين وآخرين ينقلون رسائل عن كيفية استئناف الالتزام بالاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. وأكد سوليفان أن الهدف الأهم هو منع إيران من امتلاك السلاح النووي.
لكن في المقابل، ثمة شكوك تلقي بظلالها حول هذه النقطة بالتحديد. فالمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي يقول قبل يومين إن إيران لديها 20 كيوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة. لكن لديها 3000 آلاف كيلوغرام منه مخصبة بنسب أقل. ويضيف: “هناك حاجة الى وجود تفتيش دولي قوي للحصول على تأكيدات موثوقة بعدم وجود انحرافات عسكرية”، مؤكداً “أنهم يزيدون من قدراتهم على التخصيب عبر تشغيل المزيد من الأجهزة”. وحول وجود جزيئات في منشآت غير معلن عنها في إيران (هنا الأهم) يقول إن “الردود الإيرانية حتى الآن ليست ذات مصداقية من الناحية الفنية”!
كلام غروسي آنفاً، يتلاقى مع تقييم الممثل الخاص للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، لإيران و وفنزويلا إليوت أبرامز الذي قال مؤخراً في مقابلة لصحيفة “جيروزاليم بوست” إن “إيران تدعي أنها لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، لكننا نعرف تماماً كيف تتصرف الدول عندما تسعى للطاقة النووية فقط. وهي ليست الطريقة التي تتصرف بها إيران”! وسط هذه المناورات التي تدور حول الاتفاق النووي بين الإدارة الأميركية وإيران، لا يمكن تجاهل عناصر التصعيد الإيراني في اليمن، والهجمات الكثيفة على المملكة العربية السعودية، وذلك في إطار لعبة تحسين التموضع قبل الجلوس على طاولة المفاوضات. لكن أيضاً لا يمكن إغفال الحرب السرية التي تدور بين إسرائيل وإيران في البحار حيث تتوالى عمليات استهداف السفن الإيرانية في البحر المتوسط المتوجهة إلى سوريا، وفي مقابلها استهداف الإيرانيين مؤخراً لسفينة إسرائيلية قبالة سلطنة عمان. أضف الى ذلك الحرب الدائمة على المسرح السوري وصولاً الى الحدود مع العراق منعاً لتمركز الإيرانيين قرب الحدود مع إسرائيل. والأهم مواقف جميع القادة الإسرائيليين الكبار الذين يؤكدون أن إسرائيل ستتصرف لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، حتى لو كانت وحدها، ومهما كان الثمن. فإلام سيفضي السباق بين العودة إلى طاولة التفاوض حول الاتفاق النووي، والحرب على البرنامج النووي الإيراني؟ إنها حقاً مرحلة رمادية وخطرة.