بقلم: علي حمادة – النهار العربي
الشرق اليوم- هل بدأت الإدارة الأميركية بتعديل مقاربتها للعلاقة مع إيران؟ هذا هو السؤال المطروح اليوم في ضوء تطورين حصلا في الأيام القليلة الأخيرة. فقد عمدت الإدارة الأميركية الجديدة الى فرض أولى عقوباتها على مسؤولين إيرانيين ينتميان الى “الحرس الثوري” هما على همتيان، ومسعود صافداري بتهمة الضلوع في تعذيب معتقلين تظاهروا ضد النظام. كذلك، حصل تطور، ولو طفيفاً، على مستوى لهجة الإدارة الأميركية حيال إيران، عندما صرح وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن “واشنطن لن ترفع أياً من العقوبات التي تفرضها على طهران قبل أن تعود الأخيرة الى احترام كامل الالتزامات المنصوص عليها في الاتفاق النووي. ونفى بلينكن إعطاء إدارته ضوءاً أخضر لعدد من الدول كالعراق وكوريا الجنوبية، للإفراج عن أموال إيرانية محتجزة في المصارف بموجب العقوبات الأميركية”، معتبراً أن هذه التهم ليست سوى معلومات خاطئة!
على صعيد آخر، توقف المراقبون عند مضمون مقابلة أجراها موقع “إكسيوس” الإخباري مع مستشار الرئيس للشؤون الإيرانية روبرت مالي حيث قال إن الولايات المتحدة لن تهرع للتفاوض مع إيران من أجل التوصل بأي ثمن الى اتفاق حول الملف النووي قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران (يونيو) المقبل”. ولكنه سارع الى القول إن “مفاوضات مباشرة أكثر فعالية، وتسمح بتفادي سوء الفهم”.
هذه عينة من الخطوات والمواقف المستجدة أميركياً، بعد مرور أسابيع عدة شهدت قيام إيران برفع وتيرة التوتر مع الولايات المتحدة على خلفية مسألة العقوبات المفروضة على طهران، والتي أثّرت وتؤثر بقوة على الاقتصاد الإيراني عموماً. فقد عمدت إيران الى توتير في العراق، من خلال قيام الميليشيات التابعة لـ”الحشد الشعبي” التي تأتمر مباشرة بـ”الحرس الثوري” الإيراني الى التحرش مراراً وتكراراً بالقوات الأميركية المرابطة في العراق بقصف قواعد لها بالصواريخ، فضلاً عن استهداف مقر السفارة في المنطقة الخضراء في بغداد أكثر من مرة. كما أنه لا يمكن إغفال التصعيد الكبير الذي يمارسه الإيرانيون انطلاقاً من الساحة اليمنية من خلال شن هجوم كبير على مأرب لمحاولة السيطرة عليها في الوقت الضائع، إضافة الى الهجمات المكثفة بالصواريخ البالستية والمسيّرات على الداخل السعودي، في إشارة تدل على أن إيران فهمت من إعلان إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن برغبته في العودة الى الاتفاق النووي، وقيامه بإجراء مراجعة للعلاقة الأميركية – السعودية، وتجميد صفقات أسلحة وذخائر للرياض، على خلفية إعلان واشنطن سعيها الى وقف حرب اليمن بعدما جرى رفع تنظيم الحوثيين عن لوائح الإرهاب الأميركية.
ولا يغيب عن البال تعاطي إدارة بايدن مع ملف قتل جمال خاشقجي بعقوبات طاولت مسوؤلين أمنيين سعوديين، ما أوحى للإيرانيين أن تغييراً كبيراً تشهده العلاقات الأميركية – السعودية فتحت نافذة يمكن لإيران الاستفادة منها لممارسة ضغوط مضادة على واشنطن من أجل أن تبدأ برفع العقوبات كثمن مسبق للعودة الى الاتفاق النووي. وهكذا يمكن القول إن الإيرانيين قرأوا في سلوك إدارة بايدن المتردد، والمتساهل ضعفاً في التعامل، ونافذة لتحسين مواقعهم التفاوضية قبل الانتخابات الرئاسية، وبعدها، ولا سيما أن الموقف الإيراني الحقيقي لم يتغير: فطهران تعتبر أن سياستها التمددية في الإقليم غير قابلة للتفاوض مع الأميركيين، وخصوصاً أنها حققت “نجاحات” كبيرة في التموضع في العراق، وسوريا، ولبنان، وغزة، واليمن يستحيل أن تقبل وضعها على طاولة التفاوض مع الولايات المتحدة على هامش بند العودة الى الاتفاق النووي. حتى الآن لا توحي الخطوات الأميركية الأخيرة المتدرجة صعوداً الى تعديل حقيقي في المقاربة الأميركية. فإدارة الرئيس بايدن التي يطغلى عليها “شبح” الرئيس الأسبق باراك أوباما تراهن على العودة الى الاتفاق النووي، وتناور بشأن إخراج للعودة الى الاتفاق، ولكنها تصطدم بعنصر التنافس الإيراني الداخل بين فريق الرئيس حسن روحاني ومعه وزير الخارجية محمد جواد ظريف، وأركان المعسكر المحافطين الذين يخوضون معركة كبيرة من أجل انتزاع الرئاسة والحكومة من أيدي الإصلاحيين. كل ذلك مع العلم أن معسكري المحافظين والإصلاحيين لا يختلفان سوى بأسلوب إدارة الصراع مع المجتمع الدولي، أكان على صعيد الملف النووي، أو على صعيد السياسة التوسعية في منطقة الشرق الأوسط. أما في الجوهر فالفريقان ينتميان الى نظام الجمهورية الإسلامية العميق الذي يضع هدف تحول إيران الى دولة نووية تمتلك إمكانيات نووية عسكرية في مقدمة الأهداف، وإن غير المعلنة رسمياً.
في مطلق الأحوال، قد تواصل إدارة الرئيس جو بايدن في رهانها على تليين الموقف الإيراني، وذلك بعدما ووجهت برفض طهران التراجع على خرقها لالتزاماتها كمقدمة للعودة الى الاتفاق النووي، وأيضاً رفضها المشاركة في اجتماع دعا اليه الشركاء الأوروبيون في مجموعة 4+1 بحضور الأميركيين. وحتى الآن لا يزال الطرفان الأميركي والإيراني يناوران حول مسألة الإخراج التي تستند الى تراخي واشنطن في تعاملها مع التحدي الذي تمثله إيران للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، والخطر الوجودي الذي تمثله سياستها على الحلفاء في المنطقة. ويبقى التغيير الطفيف في السلوك الأميركي غير كاف لحمل الإيرانيين على إجراء مراجعة لسلوكهم في ما يتعلق بالملف النووي، وسائر الملفات الملحقة به.