الشرق اليوم- في وقتٍ لاحق من هذه السنة، ستتجه حاملة طائرات البحرية الملكية “إتش إم اس كوين إليزابيث” نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إذ تهدف هذه الخطوة الجريئة على ما يبدو إلى إطلاق سياسة دفاعية وطنية تُركّز على منطقة المحيطَين الهندي والهادئ بعد عقود من التراجع وحصر الاهتمامات بمسؤوليات البلد تجاه حلف الناتو في شمال الأطلسي، وتشير هذه الخطوة إلى عودة القوات البحرية الملكية إلى شرق قناة السويس وتغيير مسار السياسة الحكومية المعتمدة منذ عام 1967، فقد كانت العمليات في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ تُعتبر غير متماشية مع إمكانات بريطانيا الاقتصادية أو مصالحها الاستراتيجية بعد خسارة الإمبراطورية.
تحمل هذه العملية والمنطقة التي اختارتها أهمية كبرى لعدد من الأسباب، فقد ركّزت ردود الأفعال بعد الإعلان عن الخطة الجديدة على المخاوف التي تؤججها هذه الخطوة في الصين، فهي تثبت إصرار الحكومة البريطانية على زيادة النفوذ البحري للقوات الملكية عبر تزويدها بقدرات جديدة ومتطورة وتوسيع نطاق عملياتها بدرجة غير مألوفة (في الزمن المعاصر على الأقل).
ستبقى القدرات البحرية البريطانية في المنطقة صغيرة مقارنةً بالقدرات الأمريكية، لكن من المتوقع أن ترحّب بها الأوساط الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية باعتبارها إضافة مهمة وجديرة بالثقة من أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وخطوة أساسية للمشاركة في المعركة الاستراتيجية ضد الصين، ومن المنتظر أن تفتح حاملات الطائرات مسارات جديدة لضمان حرية الملاحة، ولا شك أن هذه التحركات ستستدعي رداً معيناً من بكين. تهدف هذه المناورات جزئياً إلى تذكير القوات البحرية الصينية بأن خططها الخاصة قد تكون طموحة لكن يتفوق عليها الغرب من حيث التكنولوجيا والإمكانات بكل وضوح.
لكن إذا كانت الخطوة الأخيرة تهدف إلى استرجاع الدور البريطاني الاستراتيجي بكل بساطة، لن يتحقق هذا الهدف على الأرجح، ويبدو جانب آخر من هذه المهمة ضرورياً بقدر احتواء الخصوم الاستراتيجيين للمصالح الغربية. باختصار، تحتاج بريطانيا إلى شركاء جدد.
تحاول بريطانيا، منذ قرار انسحابها من الاتحاد الأوروبي، البحث عن علاقات تجارية جديدة لتجديد توازن اقتصادها غداة التراجع المتوقع في عملياتها التجارية مع الكتلة الأوروبية الضخمة، وتتطلع حكومة بوريس جونسون إلى الاقتصادات الضعيفة نسبياً وذات النمو المتسارع في جنوب شرق آسيا لتحريك عجلة النمو الاقتصادي وإثبات صوابية القرار البريطاني بالتحرر من الإجراءات التجارية الجماعية. قد تعتبر بريطانيا انتسابها إلى “اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ” خطوة داعمة أساسية كي تثبت أن أي مقاربة ذكية في مجال التجارة والخدمات العالمية لا تكتفي بالتعويض عن التجارة الضائعة مع الاتحاد الأوروبي بل تُسرّع الازدهار الاقتصادي البريطاني أيضاً استناداً إلى النمو الآسيوي.
لتحقيق هذا الهدف، لا بد من عقد التزامات استراتيجية مع المنطقة لإثبات قدرات بريطانيا كشريكة أمنية وتجارية جديرة بالثقة، لم تفكّ بريطانيا ارتباطها بآسيا يوماً ولطالما استعملت مستوىً بارزاً من “القوة الناعمة” في المنطقة، لكن يجب أن تتغير أولوياتها ويلاحظ الجميع هذا التغيّر، بحيث تهدف معظم الخطوات الدبلوماسية الحاصلة إلى دعم هذا التوجه نحو منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، وسيكون استعمال القوة العسكرية بهذه الطريقة البارزة جزءاً محورياً من الخطة الجديدة.
حين تغادر السفينة الحربية المتطورة التي تَزِن 65 ألف طن مرفأ “بورتسموث” في وقتٍ لاحق من هذه السنة، ستأخذ معها مجموعة من الأعباء والتحديات، فهي ستواجه خطوات عدائية متزايدة من جانب بكين، وستضطر لإثبات قوتها وأهميتها كحليفة لواشنطن، وستحتاج إلى طمأنة مختلف العواصم في منطقة المحيط الهادئ عبر استعمال مبادرات دبلوماسية جاذبة، ويجب أن تقود حملة كبرى لتجديد الاقتصاد البريطاني عبر استعمال التكنولوجيا وقوة الإرادة.
تكثر المسائل التي أصبحت على المحك بالنسبة إلى لندن، ولهذا السبب لا تهدف الخطوة الأخيرة بكل بساطة إلى رفع العلم الوطني والتعبير عن الفخر ببريطانيا.
ترجمة: صحيفة الجريدة