بقلم: علي ابو حبلة – صحيفة “الدستور” الأردنية
الشرق اليوم – في ظلّ هذه الهيمنة لليمين، يجد الإسرائيلي نفسه حائراً، خصوصاً إذا لم يكن من الحريديم الذين تبدو خياراتهم واضحة، بين مختلف أحزاب اليمين، وهي أحزاب تعكس أصلاً حالة الشرذمة داخل اليمين نفسه، والخلافات بين مجموعاته المختلفة على أولويات الحكم.
ومع أن «الليكود» هو أكبر هذه الأحزاب، إلا أن الأزمة السياسية في إسرائيل نابعة أساساً من هوية الشخص الذي يقف على رأسه، بنيامين نتنياهو، وتورطه في ملفات فساد ورشاوى، وهو السبب الرئيسي في خوض إسرائيل أربعة انتخابات حتى الآن خلال نحو سنتين، من دون أن تتمكن المنظومة الحزبية فيها من التخلص من حكمه أو تحقيق نتائج حاسمة تضمن تشكيل ائتلاف حكومي يميني يتمتع بتأييد 61 نائباً فما فوق، من دون دعم من الأحزاب العربية المشاركة في انتخابات الكنيست.
وعلى عكس دوامة الانتخابات الإسرائيلية، تجذر البُعد العنصري في رفض شرعية مشاركة أحزاب عربية في الحكومة، أو حتى دعمها من خارج الاختلاف، كعبرة تمّ استخلاصها من تجربة إسحاق رابين في الاعتماد على أصوات خمسة نواب عرب عام 1994 لدعم حكومته من الخارج وإقرار اتفاقية أوسلو. وكان هذا الدعم سبباً للطعن في شرعية حكومته وشرعية الاتفاق، وانتهى باغتيال رابين في الرابع من نوفمبر / تشرين الثاني 1995 على يد اليهودي اليميني المتدين، يغئال عمير، الذي أعلن أنه حصل مسبقاً على فتوى من مرجعيات دينية يهودية أتاحت له القتل.
مقابل التنوع الكبير لأحزاب اليمين، بحسب تعريفاتها المختلفة، يجد الفلسطينيون في الداخل الذين يشكّلون نحو 17 في المائة ممن يحق لهم الاقتراع، أنفسهم هم أيضاً أمام حالة انقسام جديدة. فقد انشقّت الحركة الإسلامية الجنوبية التي تخوض الانتخابات تحت مسمى «القائمة العربية الموحدة»، عن القائمة المشتركة بمركّباتها الأربعة الأصلية، بعدما أعلن رئيسها منصور عباس عن «نهج جديد» لا يستبعد التعاون مع حكومة برئاسة نتنياهو مقابل تحقيق مكاسب مدنية، ورفع الأجندة المدنية إلى جانب شعار الثوابت الدينية والعقائدية فوق القضية الوطنية. وسيكون على الناخب الفلسطيني أن يختار بين «القائمة العربية الموحدة»، وبين القائمة الأصلية للقائمة المشتركة التي لا تزال تضم ثلاثة أحزاب توافقت على المضي في قائمة موحدة (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، التجمع الوطني الديمقراطي، والحركة العربية للتغيير)، وسط انقسام من شأنه أن يؤدي إلى تراجع التمثيل العربي في الكنيست، من جهة، مع مخاوف من سقوط القائمة المنشقة وعدم قدرتها على اجتياز نسبة الحسم، من جهة أخرى. لكن أكثر ما يبعث على القلق في ظلّ وجود قائمتين، هو تفاقم تراشق الاتهامات بينهما، وتوسع الشرخ الداخلي الاجتماعي، في الوقت الذي تكثف فيه الأحزاب الصهيونية، وفي مقدمتها «الليكود»، من حملاتها الدعائية لكسب الأصوات من الناخبين العرب.
تمثل الانتخابات الإسرائيلية المزمع إجراؤها في الثالث والعشرين من أذار بالنسبة الى نتنياهو نقطة تحول في مستقبله ودوره على الساحة السياسية الإسرائيلية وبالتالي العالمية فإما ان تدفع به إلى غياهب السجون والنسيان في حال فشله بتشكيل حكومة هذا إذا ما تأهل لتكليفه وإما إن تشكل له أنبوب اكسجين تطيل قليلا بعمره السياسي فيما لو نجح بتشكيل حكومة أقلية عنصرية متطرفة .
بالتأكيد نتائج الإنتخابات لا تحدد مصير نتنياهو فحسب بل ومستقبل معسكره الأكثر عنصرية وعدوانية وتطرفا وعداءا لكل ما هو إنساني وللنظام العالمي عندما يفشل في توظيفه وتطويعه خدمة لأهدافه ومشروعه التهويدي والشخصية .
وفرص نتنياهو بتشكيل حكومة ضئيلة لدرجة التلاشي لعوامل كثيرة منها غياب ترامب حليف نتنياهو ودعم مشروعه التهويدي والاستيطاني، ولعب دورا رئيسيا في الضغط على غانتس للقبول بتوقيع إئتلاف مع الليكود مكن نتنياهو الذي لم يف يوما بالتزاماته المترتبة عليه من تشكيل حكومة وحدة وطنية سرعان ما انقلب عليها وتشكل حركة الاحتجاجات الشعبية المتواصلة منذ أشهر مطالبة بعزله بسبب تورطه بقضايا فساد التي أضحت يقينية لدى قطاعات واسعة من مكونات المجتمع الإسرائيلي، ولإخفاقاته الاقتصادية والاجتماعية والصحية والسياسية.
عملياً الاحزاب التي تخوض الانتخابات على الحكم في ما بينها، تملك حسب الخريطة الحزبية الحالية أكثر من 90 مقعداً في الكنيست، وبالتالي فإن لبّ الصراع على الحكم هو بين من يتبعون لمعسكر نتنياهو تلقائياً (الحريديم والصهيونية الدينية) وبين من يسعون لتغيير نتنياهو من داخل اليمين، والذين يشكّل ساعر اليوم نقطة جذب لهم.