الرئيسية / مقالات رأي / مباريات السياسة

مباريات السياسة

بقلم: عمرو الشوبكي – صحيفة المصري اليوم

الشرق اليوم- كثيرًا ما يحول الواقع توجهات أي مشروع أو رؤية سياسية ويعدل فيها جزئيًا أو كليًا، صحيح أن هناك حالات كثيرة تبقى الرؤية السياسية هي الحاكمة أو الإطار الواسع للممارسة السياسية إلا أن هذا لا ينفي صفة التغير والمراجعة التي تصيب كثيرًا من الرؤى (مقولة اختلاف ما يقال قبل الوصول إلى السلطة عن بعدها).

والحقيقة أن موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من إيران انطلق من رؤية احتوائية قائمة على الحوار والتفاوض، وأبدت الولايات المتحدة مرونة كبيرة من أجل التفاوض مع إيران برعاية أوروبية، بل إنها وافقت على أي صيغة يقترحها الأوروبيون، بما فيها حضور أمريكي غير رسمي لأي مسار تفاوضي، وهو ما قُوبل برفض إيراني، وأصرت على عودة أمريكا أولًا لاتفاق 5+1 الذي انسحبت منه فى عهد ترامب قبل الدخول في أي مفاوضات.

وإذا كانت أمريكا قد انسحبت بمحض إرادتها من الاتفاق النووى، إلا أن إيران أيضًا استغلت الفرصة وقامت فى نهايات العام الماضي بزيادة تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، وهو ما يمثل خرقًا للاتفاق الذي صار حبرًا على ورق، بما يعني أن خيار التفاوض قبل العودة الأمريكية للاتفاق قد يكون مناسبًا للطرفين.

والحقيقة أن الرؤية الأمريكية الجديدة تجاه إيران تنطلق من تصور إدماجي قائم على التفاوض والحوار كمحاولة لتعديل توجهاتها ونقلها من دولة ممانعة خارج المنظومة العالمية إلى دولة طبيعية تعارض أو تختلف من داخلها، وهو سيعنى من الناحية العملية فتح الباب أمام المجتمع الدولي للتأثير فى النظام الإيراني من خلال التفاعل السياسي والاقتصادي والثقافي ودفعها نحو الاعتدال.

ومع ذلك، فإن هذا التوجه الأمريكي أو نقطة الانطلاق الأولى قد تتغير على ضوء ما يجرى فى الواقع، فإصرار إيران على عودة أمريكا أولًا للاتفاق دون أى تفاوض قد يؤدي إلى تعقيد الموقف وتجميد أي فرصة لعقد اتفاق بين الجانبين يُجسد الرؤية الأمريكية الجديدة فى الحوار والاحتواء. كما أن رسالة أمريكا الخشنة بضرب قوات حزب الله العراقية (ذراع إيرانية) المتواجدة فى سوريا (وليس العراق) قُوبلت بقصف الأذرع الإيرانية في العراق قاعدة “عين الأسد” حيث تتواجد القوات الأمريكية، وهو ما قد يقضي أيضًا على فرص التفاوض.

إن السياسة الأمريكية الاحتوائية ملمح أساسى فى أداء إدارة بايدن، سواء مع إيران أو الحوثيين أو غيرهما، وهو أمر لا يجب رفضه من حيث المبدأ، إنما يجب أن يكون مشروطًا بتغيير السلوك الإيرانى تجاه دول المنطقة، وتوقفها عن التدخل في شؤونها.

يبقى أن اختبار هذه السياسة فى الواقع لن تحسمه فقط المواقف الخليجية، إنما أيضًا أو أساسًا السلوك الإيراني تجاه هذه التوجهات الأمريكية الجديدة التى قد تؤدى إلى نسفها وعودتها مرة أخرى للخيارات الخشنة حتى لو كانت انطلقت من خيارات عكسية ترجح الحوار والتفاوض.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …