بقلم: أنس بن فيصل الحجي – اندبندنت عربية
الشرق اليوم– تفادَ المواصلات العامة باستخدام سيارتك الخاصة… ترفع الطلب على البنزين أو الديزل!.. تفادَ الذهاب إلى المكتب بالعمل من البيت… تخفّض الطلب على البنزين أو الديزل!
هذا ما حصل خلال العام الماضي، ويحصل الآن، وسيحصل في المستقبل. وعلى الرغم من أن صافي الأثر لن يعرف إلا بعد أشهر وربما سنوات من الآن، إلا أن استخدام السيارة الخاصة للذهاب للعمل سيخفض مع انحسار فيروس كورونا وتطعيم أغلب الناس ضده. والسبب في ذلك أن كلفة استخدام السيارة في المدن الكبيرة في أوروبا والولايات المتحدة خصوصاً، عالية بسبب تكاليف المواقف، إن توفرت، إضافة إلى تكاليف الطرق السريعة التي تفرض رسوماً على استخدامها.
المشكلة بالنسبة إلى منتجي النفط هي الاتجاهات الحالية للعمل من البيت. فقد قررت شركات عديدة إلغاء مقراتها الرئيسة تماماً ليعمل جميع موظفيها من البيت، بينما قامت شركات أخرى بتقليص مكاتبها للغرض نفسه. ففي الوقت الذي سيتم إلغاء العمل في المكتب لبعض المهن تماماً، قررت هذه الشركات أن يكون الدوام في المكتب ليومين أو ثلاثة، بينما اقتصرت بعض الشركات على يوم واحد فقط. ووفقاً لشركة غلوبال ورك بليس أنالاتيكس، بلغت نسبة العاملين من البيت لبضعة أيام في الأسبوع عام 2018 حوالى 3.6 في المئة من إجمالي الموظفين. هذه النسبة ستصل إلى 25 أو 30 في المئة بنهاية هذا العام!
ووفقاً لاستبيان قامت به مؤسسة “غالوب” في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) 2020 في الولايات المتحدة، فإن ثلاثة من خمسة موظفين قالوا إنهم يفضلون العمل من المنزل ما أمكن بعد انتهاء أزمة كورونا. ووفقاً لدراسات، هناك منافع عديدة أهمها توفير وقت الذهاب إلى العمل، والذي قد يصل إلى حوالى ساعتين لبعض الموظفين. وتشير البيانات إلى أن متوسط الذهاب إلى العمل في الولايات المتحدة يبلغ حوالى 45 دقيقة. توفير هذا الوقت يعني استخدامه في أمور أخرى أكثر فائدة من قيادة السيارة إلى العمل. وهناك منافع أخرى كثيرة بالنسبة إلى الموظفين.
بالنسبة إلى الشركات، وجد العديد منها أن إنتاجية موظفيها زادت بسبب عملهم من البيت، في الوقت الذي تحقق الشركات وفورات كثيرة من ناحية المكاتب والتكاليف المتغيرة مثل الكهرباء والماء والتدفئة والتكييف.
وتشير دراسة قامت بها جامعة ستانفورد على 16 ألف موظف إلى أن الإنتاجية زادت بحوالى 13 في المئة في المتوسط بسبب عملهم من البيت. وتكشف الدراسة نفسها عن أن نسبة غياب الموظفين انخفضت، حتى لأسباب مرضية، وهو أحد الأمور التي زادت الإنتاجية. كما أن الموظفين كانوا أكثر رضى عن عملهم مقارنة بالذهاب إلى المكتب.
موقف الشركات
أعلنت شركة “غوغل” عن أن موظفيها، وعددهم حوالى 200 ألف موظف، يمكن أن يعملوا من البيت حتى يوليو (تموز) من العام الحالي، وبعدها ستقيّم الوضع مرة أخرى. بينما أعلنت شركتا “فيسبوك” و”تويتر” أنهما ستسمحان لموظفيهما بالعمل من البيت من دون تحديد أي مدة، حتى لو تم القضاء على فيروس كورونا.
وأثناء كتابة هذا المقال، أعلنت شركة النفط البريطانية “بي بي” عن إجراءات تقشفية تقتضي أن يعمل موظفوها 40 في المئة من الوقت في البيت، وهو ما يعادل يومين في الأسبوع، بعد انتهاء كورونا. وهذا ينطبق على حوالى 25 ألف موظف، 6 آلاف منهم في بريطانيا.
وحتى الشهر الماضي، أعلنت أكثر من 50 شركة مشهورة أنها ستتبنى سياسة العمل من البيت بشكل دائم. وتتضمن هذه اللائحة بنوكاً وشركات تأمين وعدداً كبيراً من شركات التكنولوجيا.
وتختلف الشركات في ما بينها في سياسات العمل من البيت، فبعضها تحول بالكامل لكل الموظفين مثل شركة “كورا”، وبعضها يعطي الأولوية للعمل من البيت مثل شركة “نيشن وايد” و”كوين بيس” و”بوكس” و”آب ورك”، وبعضها اختياري مثل “سلاك” و”سكوير و”سيمينس”، وبعضها جزئي لبعض الموظفين أو لبعض الأيام، والذي تبنته أغلب الشركات مثل “تويتر” و”فيسبوك” و”جي بي مورغان تشيس”.
الأثر في الطلب على النفط
تعاني أسواق النفط حالياً من “مصيدة الطلب على النفط”، وهي التي منعت الطلب العالمي من العودة إلى ما كان عليه قبل كورونا.
ويقصد بـ”مصيدة الطلب على النفط” أن هناك كمية لن يتم طلبها بسبب الخوف من العدوى، ولا علاقة لها بالأسعار والمشتقات والدخل. فالعمل من البيت جزء من هذا الطلب.
وبناء على بيانات هيئة إحصاء السكان الأميركية، فإن الموظف الأميركي يقضي حوالى 225 ساعة سنوياً في الذهاب إلى العمل والعودة منه. هذا يعني 28 يوماً، وكل يوم 8 ساعات عمل. لهذا فإن العمل من البيت سيوفر كثيراً من الوقت للأشخاص والشركات، لكنه سيخفض الطلب على وقود السيارات أيضاً.
ووفقاً لأبحاث “بنك سيتي”، فإن 77 في المئة من الموظفين والعمال الذين يذهبون للعمل يومياً في الولايات المتحدة يستخدمون سياراتهم الخاصة، ما يعني استهلاك كميات كبيرة من البنزين والديزل مقارنة بالخيارات الأخرى كاستخدام القطارات والحافلات العامة.
وصرح كريس هيرد، الذي أسس شركة تتعلق بالعمل عن بعد، بأنه يسمح للشركات بتخفيض مساحة مكاتب العمل من 50 إلى 70 في المئة، إذا عمل الموظفون يوماً أو يومين في المكتب والمتبقي في البيت. وإن بعض الشركات تلجأ حالياً إلى بناء منتجعات سكنية للعمل فيها، من دون وجود سيارات. ويعني أنه حتى لو عاد الموظفون إلى العمل في مكاتب الشركة، فإنهم لن يحتاجوا للسيارات، ومن ثم ينخفض الطلب على البنزين والديزل.
بناء على بيانات هيئة إحصاء السكان، فإن 128 مليون أميركي يستخدمون المواصلات للذهاب إلى العمل. فإذا كان 77 في المئة يستخدمون سياراتهم الخاصة، كما ذكر بنك سيتي، مع افتراض استهلاك كل سيارة حوالى 11 برميل من الوقود سنوياً، ووفقاً لبيانات تاريخية تتعلق بعدد الأميال ومعدلات الزحام، ومع افتراض أن 50 في المئة سيعملون من البيت، فإن الطلب على وقود السيارات سينخفض بحوالى مليون ونصف المليون برميل يومياً. عالمياً، يمكن أن يصل الرقم إلى 4 ملايين برميل يومياً كحد أقصى.
وبحسب آخر توقعات “أوبك” عن أسواق النفط العالمية، فإن متوسط الطلب على النفط عام 2021 سيصل إلى 96.1 مليون برميل يومياً. هذا المتوسط أقل من متوسط الطلب على النفط عام 2019، ما قبل كورونا، بحوالى 3.8 مليون برميل يومياً. فإذا كنا نعتقد أن العمل من البيت سيبقى ظاهرة كبيرة في فترة ما بعد كورونا، فإن الطريق إلى 100 مليون برميل يومياً سيكون أكثر صعوبة مما يعتقد الكثيرون، وسيكون هذا الانخفاض في الطلب على النفط الناتج بسبب العمل من البيت دائماً. ما يعني أن الوصول إلى 100 مليون برميل يومياً سيستغرق وقتاً أطول، وسيأتي من أطراف أخرى على مستوى القطاعات أو الأشخاص.
خلاصة الأمر، أن انتشار فيروس كورونا جعل بعض الموظفين يستخدمون سياراتهم الخاصة على حساب المواصلات العامة للذهاب إلى العمل أو لقضاء حوائجهم الخاصة، ما رفع استهلاك الوقود نسبياً، إلا أنه ومن ناحية أخرى عمل كثيرون من بيوتهم، ما خفض استهلاك وقود السيارات. وما يشير إلى أن عودة الطلب إلى مستويات ما قبل كورونا ستكون أكثر صعوبة.