الشرق اليوم- ردّ وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، على الخطوات الأميركية عبر التهديد بالانتقام وحذر من تدهور العلاقات الأميركية الروسية بدرجة إضافية، مع أن العقوبات لا تستهدف الأولويات الروسية الأساسية بطريقة حاسمة.
أعلنت إدارة بايدن فرض عقوبات على مجموعة من المسؤولين والكيانات في روسيا رداً على تسميم ألكسي نافالني ثم اعتقاله، وذكر المسؤولون الأميركيون أن هذه الخطوة هي جزء من الردود الأميركية الأولية للتصدي للنشاطات الروسية الخبيثة، ومن المتوقع أن تُفرَض تدابير أخرى خلال الأسابيع المقبلة، وفي الوقت نفسه، أوضح فريق بايدن أن واشنطن لن تحاول إعادة ضبط العلاقات مع موسكو، لكنها تبحث عن فرص للتعاون في المجالات التي تهمّ الطرفَين.
لكن تكشف العقوبات المستجدة أن فريق الأمن القومي في إدارة بايدن لا يتبنى موقفاً موحداً حول مسألتين أساسيتَين: تتعلق المسألة الأولى بنظرية تراجع روسيا: هل تشهد روسيا بوضعها الراهن تراجعاً سريعاً ودائماً على مستوى مصادر قوتها الوطنية (لا سيما الاقتصادية منها)؟ وهل استُنزِفت شرعية النظام بحد ذاته؟ أما المسألة الثانية فترتبط بالسؤال التالي: هل يبرر احتمال ألا تدعم روسيا المبادرات الأميركية (في ملف إيران وكوريا الشمالية) اتخاذ خطوات أكثر صرامة ضد موسكو؟
برأي المعسكر المقتنع بتراجع مكانة روسيا وعجزها عن تقديم مساعدة حقيقية للولايات المتحدة، وهو موقف يتبناه عدد كبير من أعضاء الكونغرس الجمهوريين والديمقراطيين ويُعتبر من النقاط المتبقية القليلة التي يُجمِع عليها الحزبان الأميركيان، تبدو التدابير التي أعلنتها إدارة بايدن محدودة وغير مؤثرة بما يكفي، لكن يبدو أن فريق الرئيس جو بايدن ليس مستعداً بعد للرهان على تراجع روسيا الوشيك في عهد بوتين أو عجز موسكو عن دفع التكاليف الباهظة التي ستترتب عليها إذا قررت معارضة المبادرات الأميركية.
إلى جانب هذه النقاشات، يتساءل البعض أيضاً عن تأثير التحركات الأميركية ضد موسكو على علاقتَين أكثر أهمية بالنسبة إلى واشنطن: إنها الروابط التي تجمع الولايات المتحدة مع برلين وبكين، ومن الواضح أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وحكومتها ليستا مسرورتَين بالكامل من وجهة روسيا في عهد بوتين، لكن أوضحت ميركل لواشنطن في الوقت نفسه أن برلين لن تحذو حذو الولايات المتحدة في هذا الملف وأن ألمانيا (وبالتالي أوروبا ككل) تملك مصالح معينة مع روسيا ويُفترض ألا تتجاهلها واشنطن. في قضية نافالني على الأقل، كان لافتاً أن تقرر إدارة بايدن الالتزام بالتدابير التي اتخذها الاتحاد الأوروبي وتمتنع عن تجاوزها.
إذا احتدمت المنافسة الاستراتيجية النهائية مع الصين، كما يتوقع البعض في فريق الأمن القومي التابع للرئيس بايدن، تسود مخاوف كبرى من أن يؤدي التركيز المفرط على روسيا على المدى القصير إلى متابعة الجهود الرامية إلى ترسيخ مكانة الصين. وفي حين يميل ميزان القوى لصالح بكين نسبياً اليوم، فقد يخلق هذا الوضع فرصة مناسبة لتشجيع موسكو على إعادة النظر بعمق شراكتها الاستراتيجية مع الصين. تُذكّرنا هذه الظروف بالمقاربات الأولية التي طرحها فريق الرئيس السابق باراك أوباما للتمسك بعوامل واضحة تبقي المجال مفتوحاً أمام تطبيع العلاقات، بغض النظر عن التدابير المفروضة على موسكو. وفي حين تحاول إدارة بايدن التوصل إلى إجماع قوي بين الاتحاد الأوروبي والدول العابرة للأطلسي في ملف الصين، قد تتطلب هذه العملية عقد تسوية مع ألمانيا بشأن السياسة المناسبة تجاه روسيا لضمان التزامها بالانضمام إلى جهود واشنطن المكثفة.
يستطيع بايدن أن يدّعي أنه ردّ على التحركات الروسية ودَعَم القيم الأميركية عبر فرض تكاليف كبرى على نظام بوتين، لكن سيعتبر منتقدوه المجموعة الراهنة من العقوبات رمزية في معظمها. ردّ وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، على الخطوات الأميركية عبر التهديد بالانتقام وحذر من تدهور العلاقات الأميركية الروسية بدرجة إضافية، مع أن العقوبات لا تستهدف الأولويات الروسية الأساسية بطريقة حاسمة. من الواضح إذاً أن الخطابات لا تتماشى مع الحقائق على أرض الواقع، لكن لا خيار آخر إلا انتظار الوجهة التي سيتخذها فريق بايدن في ملف روسيا خلال الأشهر المقبلة.
نقلاً عن الجريدة الكويتية