بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- علاوة على رسائل السلام والمحبة والتسامح التي حملتها زيارة البابا التاريخية للعراق، وما شكلته من قيمة إنسانية وحضارية، فإنها من دون شك، حملت رسائل سياسية في غاية الأهمية لبلد أنهكته الحروب والصراعات في لحظة حاسمة من تاريخه، هو أحوج ما يكون فيها إلى دعم المجتمع الدولي بأسره، لمساعدته على الخروج من الأزمات التي تعصف به.
بعيداً عن البروتوكول وكلمات الترحيب وكرم الضيافة المشهود به للعراقيين، فإن مجرد وجود البابا في العراق، على الرغم من المخاطر الأمنية وجائحة كورونا، يُعطي الزيارة قيمة مضاعفة، لجهة تسليط الضوء على محنة العراق والعراقيين، بينما تتجه أنظار العالم، خصوصاً العالم الغربي إلى هذه البقعة في الشرق، والتي تعامل معها بكثير من اللامبالاة في معظم الأحيان، أو على الأقل، بقدر ما تُمليه عليه مصالحه وحساباته الخاصة.
فهنا، على هذه البقعة في الشرق، ما هو مختلف عن الحسابات الاستراتيجية للغرب، من الواضح أن البابا كان يتلمسها ويُدرك خصوصيتها وأهميتها، وبالتالي فقد حملت زيارته كثيراً من الرسائل السياسية والمضامين ذات الدلالة الموجهة للداخل والخارج معاً، لكنه قبل أن يتحدث عن التفاصيل، استهلها من النقطة الفاصلة: «لتصمت الأسلحة.. ولنستمع إلى من يبني ويصنع السلام»؛ لأنه لا يمكن سماع أي صوت في ظل قرقعة السلاح، وهي مفتاح طرح بقية الرسائل التي حملت دعوات إلى السلام الداخلي والحوار وتحويل الاختلاف إلى تعايش على قاعدة التنوع وضمان مشاركة جميع الفئات السياسية والاجتماعية والدينية، وتأمين الحقوق الأساسية لجميع المواطنين، وعدم اعتبار أي مواطن من الدرجة الثانية، بهدف تحقيق العدالة وتنمية النزاهة والشفافية، ومحاربة آفة الفساد وتقوية مؤسسات الدولة، وإنهاء كل المظاهر «غير الشرعية»، مؤكداً دعمه للخطوات الإصلاحية المتخذة في العراق.
وفي إشارة إلى التدخلات الخارجية وما يرافقها من توترات وتصفية حسابات، لم يتردد البابا في القول إنه «يجب ألا تسحب الدول يد الصداقة والالتزام البنّاء الممدودة إلى الشعب العراقي؛ بل تواصل العمل بروح المسؤولية المشتركة مع السلطات المحلية دون أن تفرض مصالح سياسية أو أيديولوجية»، داعياً إلى تعزيز السلام في الشرق الأوسط وفي كل العالم.
أهمية زيارة البابا للعراق تكمن ليس فقط في الدعوة إلى السلام الداخلي والحوار والتعايش وتعزيز بقاء المكون المسيحي على أرضه، بدلاً من الهجرة إلى الغرب، باعتباره جزءاً أصيلاً من نسيج هذا الشرق، مع توفير البيئة اللازمة لبقائه، وإنما في لفت أنظار المجتمع الدولي إلى جوهر محنة العراق والعراقيين، وأهمية العمل على تحقيق الأمن والاستقرار في هذا البلد، ومدّ يد المساعدة المهمة والضرورية لإعادة إعمار البلاد وما دمرته سنوات «داعش» العجاف، ليتمكن هذا البلد من النهوض وتوفير البيئة الآمنة لعودة المهجرين والنازحين الطوعية إلى أرضهم وديارهم، ليتمكن العراق من نفض غبار المرحلة الكارثية لاستكمال دوره الحضاري والتاريخي، والعودة للقيام بدوره الفاعل والريادي في محيطه العربي والإقليمي، وأخذ مكانه اللائق كعضو إيجابي وفاعل في الساحة الدولية.