بقلم: جون كيمب – العرب اللندنية
الشرق اليوم- قرّرت أوبك + ترك الإنتاج دون تغيير لمدة شهر آخر في اجتماعها يوم الخميس، وهي بذلك تخاطر بالتسبب في رفع درجة توتر سوق النفط وتهيئة الظروف للمزيد من عدم الاستقرار في المستقبل.
وقد تحدت المجموعة الموسعة من مصدري النفط توقعات غالبية المحللين والتجار بأنها ستستجيب لارتفاع الأسعار وتزايد التخلف في سوق العقود الآجلة من خلال زيادة الإنتاج.
لكن القرار لا ينبغي أن يكون مفاجأة كاملة؛ فهو يتفق مع سلوك المجموعة على مدى العقد الماضي. وعادة ما تتأخر عملية صنع القرار في المجموعة عن ظروف السوق عندما تنخفض الأسعار، ولكنها تتأخر بشكل خاص عندما تكون الأسعار في ارتفاع.
وعلى الرغم من الالتزام الشفوي للمجموعة باستقرار السوق تكشف قرارات الإنتاج السابقة أن هدفها هو الحصول على أعلى سعر ممكن على المدى القصير.
وفي ظل ارتفاع الأسعار تستمر المجموعة في تقييد الإنتاج إلى ما دون المستوى المحتمل للتمتع بمكاسب مؤقتة من خلال الأسعار المرتفعة.
وليس من عادات أوبك+ أن تستجيب استباقيًّا بضخّ براميل إضافية إلى السوق لكبح الارتفاع السريع في الأسعار وتخفيضها؛ حيث جاءت البراميل الإضافية في الغالب من عدم تقيّد أعضاء أوبك+ باتفاقية الإنتاج القائمة والتوسع السريع في إنتاج النفط الصخري الأميركي.
وعادة ما تسمح مجموعة أوبك+ للسوق بالغليان حتى يهدّد تسارع إنتاج الصخر الزيتي في الولايات المتحدة أو تباطؤ الاستهلاك، أو كلاهما، بالدفع إلى تسجيل فائض في الإنتاج.
وقبل القرار عادت أسعار العقود الآجلة للشهر القادم إلى مستوياتها التي سبقت بداية الموجة الأولى من فايروس كورونا، وبلغت المستوى الذي تسبب في زيادة إنتاج الصخر الزيتي في الولايات المتحدة على امتداد العقد الماضي.
وجاء استهلاك معظم المخزونات الإضافية التي تراكمت في الربع الثاني من سنة 2020 نتيجة الوباء وحرب الأسعار بين السعودية وروسيا.
وعاد مستوى المخزونات البترولية التجارية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى المعدّل المسجل خلال السنوات الخمس السابقة للوباء، أي خلال الفترة الممتدة من 2015 إلى 2019، وفقًا للتقديرات التي أعدتها إدارة معلومات الطاقة الأميركية في فبراير.
نتيجة لذلك انتقلت عقود خام برنت الآجلة إلى العقود الستة المدرجة بمقدار 4 دولارات للبرميل، بما يتوافق مع السوق التي تعاني من نقص المعروض حيث تكون الأسهم عند المستوى الذي يرغب فيه التجار ومصافي التكرير أو أقل منه.
وارتفع فارق جدول برنت لستة أشهر إلى 95 في المئة لجميع أيام التداول على مدى العقود الثلاثة الماضية، مما يشير إلى أن الإنتاج يسير بنسق أقل بكثير من الاستهلاك ومن المتوقع أن تنخفض المخزونات إلى درجة كبيرة.
وفي السوق الفعلية يتأخر الفارق الزمني في تقويم برنت للأسابيع الخمسة الأولى بمقدار 32 سنتا للبرميل، مما يؤكد أن السوق بالفعل ضيقة إلى حد ما. واختارت منظمة أوبك+ تجاهل هذه المؤشرات بسرعة والتركيز بدلاً من ذلك على “ظروف السوق غير المؤكدة” والحاجة إلى “البقاء يقظة ومرنة”.
وقالت المجموعة في بيان “أقر الاجتماع بالتحسن الأخير في معنويات السوق من خلال قبول ونشر برامج اللقاحات وحزم التحفيز الإضافية في الاقتصادات الرئيسية”.
وحث جميع الأعضاء “على البقاء في المسار الذي حُدّد طواعية والذي حقق نتيجته الآن”، في إشارة ضمنية إلى ارتفاع الأسعار والإيرادات.
ويبدو أن دورة أسعار البترول تعيد نفسها بالتزامن مع اختيار أوبك+ الاستمرار في تقييد الإنتاج بدلا من الاستجابة لانخفاض المخزونات وارتفاع الأسعار وزيادة التخلف.
وكان سعر البرميل حوالي 70 دولارا قبل أن يرتفع، وكانت السوق في حالة مستقرة في مايو 2019 وقبل ذلك في أبريل 2018. وقدّم صناع القرار الرئيسيون في أوبك+ حججا مماثلة في كلتا المناسبتين.
وقال وزير الطاقة السعودي آنذاك خالد الفالح، في 19 مايو 2019، إنه من المهم ألا تُتخذ القرارات بسرعة نظرا لتضارب البيانات ولتعقيدات الموضوع وتطور الأوضاع.
وأجاب الفالح في اليوم السابق، عندما سئل عما إذا كانت هناك نية للزيادة في الإنتاج بسبب المخاوف من نقص النفط، بأنه ليس متأكدا من وجود نقص في المعروض، لكنه سيلقي نظرة على تحليل السوق. وسيكون هناك بالتأكيد تجاوب وسيتم تزويد السوق. وفي العام السابق كان قد أثار نقطة مماثلة.
وقال إنه إذا كان على المجموعة أن تخطئ في تحقيق التوازن في السوق قليلا، فليكن، بدلا من التسرع واكتشاف أن هناك معلومات كانت أقل موثوقية.
ويبدو أن أوبك+ تعتقد أن هذه المرة ستكون مختلفة، لأن منتجي النفط الصخري لم تعد لديهم الموارد المالية للقيام بتوسّع كبير في الإنتاج بعد ركودين في غضون نصف عقد.
وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان يوم الخميس إن “شركات النفط الصخري تركّز الآن بشكل أكبر على توزيعات الأرباح”.
ولعل أوبك+ تقامر لاعتقادها أن منتجي النفط الصخري سيظلون على الهامش، على الأقل لبضعة أشهر، وهذا يمنحها مجالا أكبر للتمتع بفترة طويلة من ارتفاع الأسعار دون المخاطرة بهبوط آخر.
ودعا أقطاب صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة خلال مؤتمراتهم الأخيرة إلى اتباع إستراتيجية جديدة تقيد الإنتاج. لكن منتجي النفط الصخري وأوبك+ قالوا أشياء مماثلة خلال عامي 2017 و2018، في أعقاب التراجع الأخير للأسعار. ولم تدم قيود الحفر الموعودة.
وارتفع عدد حفارات التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة بالفعل إلى 309 حفارات بعد أن كان عددها 172 في أغسطس الماضي، بيد أن هذه الأرقام لا تزال أقل بكثير مما كانت عليه في نفس الفترة من العام الماضي أي 678 حفارة.
وقبل العاصفة الجليدية في تكساس كان عدد الحفارات يشهد ارتفاعا مماثلا للزيادات المسجلة بعد الركودين الأخيرين اللذين شهدتهما سنتا 2009 و2016.
ولكن الأمر قد يكون مختلفا هذه المرة بالنسبة إلى شركات النفط الصخري الأميركية من حيث تقييد الإنتاج مع ارتفاع الأسعار وكذلك بالنسبة إلى أوبك+ بإنتاج براميل إضافية قبل ارتفاع درجة حرارة السوق.
غير أن سلوك كل من شركات النفط الصخري وأوبك+ راسخ بعمق وسوف لن تكون من الحكمة المراهنة على أن يُعيد التاريخ نفسه.