بقلم: إريك لويس – اندبندنت العربية
الشرق اليوم- أخذت الجدران تضيق على دونالد ترامب. وهذه ليست الجدران الكبيرة الجميلة التي تقوم على الحدود الجنوبية، بل هي جدران تهم الجنايات التي يحتمل أن يُدان بارتكابها في نيويورك، وأتلانتا وواشنطن العاصمة.
لقد طرح محامي الدفاع عن ترامب نفسه خلال محاكمته في مجلس الشيوخ بغرض عزله، والتي انتهت بتبرئته، أن وقت “الذهاب للقبض عليه” سيحين بعد مغادرته المنصب. وأثار ميتش ماكونيل، هو الآخر في خطابه المفاجئ إلى درجة مبهرة والذي بدا كمن يكفر عن أخطائه، سبل المعالجة الجنائية الشافية حين قال، “لدينا نظام عدالة جنائي في هذا البلد”، مضيفاً “والرؤساء السابقون لا يتمتعون بالحصانة ضد المساءلة”.
إذن، ماذا يعني ذلك بالنسبة لنا؟
يجري سايروس فانس، وهو المدعي العام في مقاطعة نيويورك، تحقيقاً مفتوحاً منذ سنوات يبدو أنه يركز على تقييمات عقارية متقلبة زائفة قُدمت للبنوك وشركات التأمين والسلطات الضريبية. وقد كافح ترامب طويلاً لمنع تسليم سجلاته المالية وإقراراته الضريبية للجهات ذات العلاقة، ومن المفترض أنه كان لديه سبب وجيه لتبرير هذه الرغبة. بيد أن طلبات الاستئناف المتكررة التي قدمها قد وصلت الآن إلى طريق مسدود بعدما رفضت المحكمة العليا منحه أي أعفاء نهائي.
ونظراً إلى أن دونالد ترامب لم يُبرم على الإطلاق ولو صفقة واحدة بشكل مستقيم في حياته كلها، فإن ثمة احتمالاً كبيراً بوجود مخالفات قانونية قابلة للملاحقة. ومايكل كوهين (محاميه الخاص السابق بين 2006 و 2018) الذي تسمح له علاقته السابقة بترامب أن يعرف أوضاعه عن كثب، رأى أنه بسبب الإفراج عن سجلاته المالية الذي بات الآن حتمياً فإن “الأمور لاتبدو جيدة بالنسبة إليه”.
وفي جورجيا، أوضحت فاني ويليس، وهي المدعية العامة الجديدة لمقاطعة فولتون أنها ستحقق بجرأة وتصميم بحجم الجرم الناجم عن مكالمة ترمب الهاتفية المسجلة التي حاول فيها ممارسة الضغط على سكرتير ولاية جورجيا كي “يعثر” بطريقة أو أخرى له على العدد الكافي من الأصوات لقلب نتيجة الانتخابات. وقالت لويس “التحقيق هو كالبصلة… أنت لاتعرف أبداً ماذا هناك (بداخلها) بالكامل. تنزع جزءاً، فتجد شيئاً آخر”. وهناك بصلة كبيرة في جورجيا. فاتصالات تارمب الهاتفية بمسؤولي الولاية ليحثهم على تخريب الانتخابات يمكن أن تمثل انتهاكاً لقانون جورجيا الذي يتعامل مع “الإغراء الإجرامي لارتكاب تزوير انتخابي”. ورأت ويليس أن توجيه تهمة التآمر، أو حتى الابتزاز، ممكن، وذلك طبقاً إلى المدى الذي ذهب إليه الرئيس السابق في التنسيق مع عدد من الأشخاص بينهم رودي جيولياني وليندسي غراهام، الذي تدخل أيضاً مع سكرتير الولاية.
وفي حين أن من الممكن اعتقال شخص ما في أي مكان في الولايات المتحدة إذا تمت إدانته من قبل محكمة فيدرالية، فإذا وجهت إلى ترامب تهماً تتعلق بولاية ما فإن حاكمها ينبغي أن يطلب تسليمه من حاكم الولاية التي يعيش فيها، وهو في هذه الحالة رون دي سانتيز، حاكم ولاية فلوريدا. ودي سانتيز “كاسر” قواعد وأشياء… وليس “لاعباً”، وذلك بحسب تصنيف وضعه تيموثي سنايدر حوله. وهو شخص جلّ همه أن يحقق مصلحته السياسية الخاصة ، من دون أن يقيم اعتباراً لأي حواجز أخلاقية أو سياسية. إنه من أنصار ترامب الذين يبالغون في إبداء ولائهم له؛ وقد شجع عملية الطعن القانوني بنتائج الانتخابات الرئاسية. وهو قال لمسؤولي الصحة المحليين أن يكفوا عن نشر إحصاءات الإصابة بكوفيد حتى تنتهي الانتخابات، كما قرر أيضاً تجاوز تعليمات المسؤولين المحلين المتعلقة بارتداء الكمامة. وأمر بمداهمة عناصر مسلحة لمنزل أحد علماء البيانات ممن سربوا أخباراً عن مخالفات معينة. وهو “ترامبي” فعلاً لجهة عدم احترامه للحقيقة أو لسيادة القانون. وهذا هو الحاكم الذي سيتخذ القرار بشأن الموافقة على تسليم الرئيس السابق.
والواقع أن المسألة القانونية واضحة ومباشرة.وينص البند المتعلق بتسليم المطلوبين في الدستور على أنه إذا “اتهم شخص في أي ولاية بخيانة أو جناية أو أي جريمة أخرى، والذي… عُثر عليه في ولاية أخرى، فينبغي تسليمه بموجب طلب السلطة التنفيذية في الولاية التي فر منها، وترحيله إلى الولاية ذات الاختصاص القضائي بالجريمة”.
يُذكر أنه حين رفض حاكم ولاية أوهايو في عام 1861 طلباً لحاكم كنتاكي بإعادة “رجل ملون حر” لمواجهة اتهامات جنائية بمساعدة أحد العبيد على الهرب، فإن المحكمة العليا قضت بأن الدستور يلزم حاكم أوهايو إلزاماً مطلقاً بتسليم المدعى عليه الذي كان قد قدم المساعدة لعبد هارب. غير أنها حكمت أيضاً بأن المحاكم الفيدرالية تتمتع بصلاحيات تنفيذ هذا الواجب. وبعدما يزيد على 100 عام من ذلك التاريخ، وفي 1987 كتب ثورغود مارشال (أول قانوني أسود يصبح من قضاة المحكمة العليا) معبراً عن رأي أجمعت عليه المحكمة العليا و مفاده بأن المحاكم الفيدرالية تتمتع بالسلطة التي تخولها إصدار الأمر بتسليم شخص مطلوب من قبل حاكم آخر، مؤكداً أنه ليس للحاكم الحق بالنظر في ما إذا كان عليه أن يرفض الطلب المناسب الذي أتاه من حاكم آخر.
إذاً ماذا يستطيع دي سانتيز أن يفعله؟ نظرياً، تقتصر صلاحياته على ضمان أن تكون الوثائق المتعلقة بطلب التسليم نظامية وكاملة. إلا أن قانون فلوريدا ينص على أنه عند تقديم طلب لتسليم شخص ما، يمكن لحاكم فلوريدا أن يصدر تعليمات لأي مدع عام يختاره بـ”التحقيق أو المساعدة على إجراء تحقيق في الطلب، ومن ثم رفع تقرير له بحالة الشخص المطلوب (تسليمه) وظروفه، وما إذا كان يجب تسليمه”. ولايشير القانون من قريب أو بعيد إلى آفاق التحقيق أو المدة الزمنية التي يمكن أن يستغرقها تحقيق من هذا النوع. كما لايتطرق أبداً إلى الظروف التي تؤثر في “ما إذا كان الشخص المطلوب يجب أن يُسلم”.
وتماماً كما ماطل ترامب أو أخّر أو تجاهل احترام سيادة القانون، فإن دي سانتيز الذي يدور في فلكه، يمكنه أن يؤخر يوم محاكمة معلمه ربما إلى أجل غير مسمى. وأن بوسعه أن يصر على أنه ماض في عملية التحقيق التي يسمح له القانون بإجرائها، حتى تأمره محكمة بأن الوقت قد حان لإنهاء ذلك. ويمكن لذلك الحكم أن يمضي عبر نظام المحاكم الفيدرالية إلى المحكمة العليا.
وحالما يتم إنهاء التحقيق، يستطيع دي سانتيز عندها أن يقول إنه خلص إلى أن ترامب “لا ينبغي أن يُسلم”. وهذا أيضاً يمكن أن يتسلل إلى نظام الاستئناف. وأخيراً، يستطيع دي سانتيز أيضاً أن يجادل أن نقض القاضي مارشال لقضية تسليم العبد الهارب قد جرى تقريره بشكل خاطئ، ومن ثم ينتظر ليرى ما إذا كانت كتلة المحافظين (الموجودة في المحكمة العليا) ستعيد اكتشاف الفيدرالية وتسمح برفض التسليم. لكن القرار النهائي سيجعل ترامب قادراً على تجنب يوم المحاكمة والبقاء سجيناً في مار أ لاغو.