بقلم: محمد نور الدين – صحيفة الخليج
الشرق اليوم– شهدت أرمينيا في الآونة الأخيرة تطورات أقل ما يقال فيها إنها مصيرية وتضع البلاد على كف الصراعات الدولية.
فالمعروف أن النظام السياسي في البلاد برلماني، حيث مركز الثقل لرئاسة الحكومة مع صلاحيات مهمة للبرلمان فيما يستطيع رئيس الجمهورية أن يمارس دوراً حاسماً في بعض القرارات.
وقد مرت أرمينيا بتجربة مريرة للغاية في بداية الخريف الفائت عندما تعرضت لحرب شنتها أذربيجان وبمساعدة تركيا أسفرت عن خسارة يريفان لمعظم الأراضي التي كانت تحتلها من أذربيجان منذ بداية التسعينات من القرن العشرين.
وكانت الغاية الرئيسية من تلك الحرب هي السيطرة المطلقة على مقاطعة ناجورنو كارا باخ ويسميها الأرمن «آرتساخ». وزيادة على ذلك نجح الأرمن في التحرر من سيطرة باكو ومن السيطرة على أراض تقع في محيط كارا باخ وتصل المقاطعة بالوطن الأم أرمينيا. بل مضت «آرتساخ» في إعلان استقلال من جانب واحد لم يعترف به أحد سوى أرمينيا.
لكن الهجوم الأذري المذكور قلب الموازين رأساً على عقب واستطاع الجيش الأذري تحرير معظم الأراضي المحتلة والسيطرة على نصف كارا باخ بما فيها مدينة شوشي التاريخية من دون النجاح في السيطرة على العاصمة ستيباناكرت.
وكان اتفاق التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 فيصلاً في نقل الوضع في أرمينيا وكارا باخ من ضفة إلى ضفة. حيث اضطر رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان لقبول وقف النار واتفاق 9 نوفمبر (تشرين الثاني). ونظراً لأن باشينيان كان غربي الهوى وجاء عام 2018 بثورة ملونة يدعمها الغرب ورجل الأعمال جورج سوروس، فقد اعتبر توقيعه الاتفاقية انتصاراً لروسيا التي فرضت على يريفان وباكو نشر قواتها في كارا باخ وممر لاتشين والممر الذي اتفق على إنشائه بين تركيا وأذربيجان.
وعلى الرغم من عدائه لموسكو، لكن الأخيرة ارتضت بقاء باشينيان في السلطة ليكون ضمانة لتنفيذ اتفاق كره باخ. ولم تكن موسكو تنتظر سوى الانتهاء من تنفيذ الاتفاق لتبني على الشيء مقتضاه.
وفيما كانت الأمور تسير بسلاسة في اتجاه تنفيذ الاتفاق، كان باشينيان يحاول أن يلعب لعبة واشنطن التي لم يخرج من عباءتها، لكنها كانت في الوقت نفسه الفرصة التي كانت موسكو تنتظرها لتتخلص من باشينيان.
في خضم الانسحابات الأرمنية، كان باشينيان يطلق موقفاً أقل ما يقال فيه أنه تشهير وعداء لموسكو عندما قال إن صواريخ «اسكندر» الروسية التي كانت تمتلكها أرمينيا فشلت في مهمتها، وأن عشرة في المئة فقط منها انطلقت بنجاح، فيما انفجرت عند الإطلاق أو لم تستطع الانطلاق تسعون في المئة من الصواريخ. وكان هذا التصريح مفاجئاً لروسيا فلاديمير بوتين الذي وجد الفرصة مناسبة للتخلص من شخصية لم تنسحب من الميدان السياسي رغم فداحة الكارثة التي حلت بأرمينيا. فكان أن تقدم رئيس الأركان ومعظم قادة الجيش ببيان يطلبون فيه من باشينيان التنحي عن منصبه.
اعتبر باشينيان ذلك محاولة للانقلاب فرفض البيان، وأقال قائد القوات المسلحة. لكن رئيس الجمهورية أرمين سركيسيان لم يوافق على توقيع قرار الإقالة، فدخلت البلاد في أزمة سياسية مفتوحة. رئيس الوزراء بجانب والجيش بجانب آخر ورئيس الجمهورية يمالئ الجيش.
في ظروف عادية يمكن لرئيس وزراء أن يستقيل من تلقاء نفسه، فكيف إذا كان مسؤولاً عن ثاني أكبر كارثة بتاريخ الأرمن بعد كارثة الإبادة في العام 1915؟.
تضع الأزمة الحالية القوى الكبرى أمام مفترق طرق. فالقوقاز الجنوبي حديقة خلفية لنفوذ روسيا التي لن تسمح بتغلغل الغرب فيه. والإطاحة بباشينيان حاصلة الآن أو غداً. فمن غير المعقول أن يبقى في منصبه بعد كارثة كارا باخ. وسيكون أرمن أرمينيا وأرمن كارا باخ أمام مفترق طرق وقراءة موضوعية في التحليل الجيوسياسي ما بين ممالأة واشنطن وخسارة كل شيء وما بين التحالف مع روسيا والإبقاء على ما يحمي بعضاً من ركائز القضية الأرمنية، تمهيداً لمعاودة الانطلاقة لحماية أرمينيا والأرمن. فما الذي سيختاره الأرمن في أي انتخابات مقبلة؟.