بقلم: د. طارق فهمي – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – يبدو أن الإدارة الأميركية ستواصل تأكيد دوائر نفوذها واستعادة موقعها الدولي وفقاً لرؤية الرئيس بايدن المعلومة منذ سنوات، والتي يُعاد تحديثها وفقاً لتطورات الأوضاع إقليميا ودولياً، ومنذ أن كان نائباً للرئيس أوباما. وتدعو لمزيد من الانخراط في قضايا العالم، وتأكيد الحضور السياسي والاستراتيجي للولايات المتحدة، ولكن لن يكون ذلك متاحاً بالصورة التي يتخيلها الرئيس بادين وفريق عمله، مع التوقع أنهم لن يقدموا على تغييرات هيكلية في نمط السياسات المزمع أن تتم في سياق سياسي أو استراتيجي برغم كل ما يتردد من إعادة تسويق قيم الحرية والديمقراطية.
فمن الشكل للمضمون لا تسعى الإدارة إلى إحداث طفرة حقيقية في مجرى العلاقات الأميركية الدولية، كما يتوهم البعض وستنتقل الإدارة الأميركية من الداخل للخارج عبر مساحات فيها قدر كبير من المرونة دون ترتيب الأولويات على الأقل في العامين الأولين من عمرها داخل البيت الأبيض في توقيت بالغ الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة. والقضية ليست في تعيين مبعوث للملف اليمني أو الإيراني، وإغفال ذلك على المستوى الفلسطيني الإسرائيلي، فالأمر أعمق خاصة أن التحديين الصيني والروسي سيستمران بصورة كبيرة في ظل تنازع المصالح والأولويات لكل طرف، وهو أمر سيسحب من الحركة الأميركية في العالم، ولن تستطيع الإدارة الأميركية منازلة الوجود الصيني في آسيا أو عديد من الأقاليم بصرف النظر عن أن الولايات المتحدة، وبحسابات القوي الشاملة ستظل على رأس النظام الدولي غير المستقر لسنوات طويلة ربما تذهب إلى 100 عام، وقد تزيد، كما أن روسيا لا تزال تتحرك في دوائر متشابكة ومتفاعلة على مستويات عدة، وهو ما قد يعطي دلالات التوجه والتأثير ليس في العالم العربي، وإنما أيضاً في دول جمهوريات آسيا الوسطي وفي الكومنولث الروسي، وبالتالي لن تذهب الولايات المتحدة لإقرار نفوذها الفاعل والمؤثر، كما يتوهم العالم للبحث عن تطبيق لرؤية الرئيس بايدن، فالرئيس ورفاق إدارته يدركون حجم المتغيرات العالمية حتى مع الحلفاء الرئيسيين كالاتحاد الأوروبي، والذي ما زال يحتاج إلى إعادة توصيف العلاقات والسياسات الراهنة، والتي لن تتوقف عند إعادة إحياء دور حلف «الناتو»، وإنما في العمل معاً في ملفات مشتركة بعضها استراتيجي وبعضها سياسي، وهو ما يدركه بايدن. فترميم العلاقات الأميركية الأوروبية، سيأخذ بعض الوقت عند إعادة التوافقات في ملفات ثنائية ومتعددة، ومنها الملف النووي الإيراني وسوريا، ومنطقة غاز شرق المتوسط والمصالح الكبرى في الشرق الأوسط والشرق الأدنى، وهو ما يتطلب مراجعة مجمل السياسات الأميركية، وليس تجاه منطقة محددة، وهنا مكمن التطور، الذي قد لا يعمل لصالح الإدارة الأميركية فقط.
الخلاصة ستجد الإدارة خيارات صعبة وإشكاليات متعددة، تتجاوز كما كان وقت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، ومنها كيفية بناء علاقات أكثر وضوحاً تتسم بمبادئ الإنصاف والنزاهة بعيداً عن ثوابت ومعطيات «الديمقراطيين»، الذين يرون أن التعامل مع العالم من منظور محدد ربما سيكون غير صحيح في التعامل مع دول حليفة تحتل مساحات كبيرة في تفاصيل الاستراتيجية الأميركية، والتي لا يمكن للإدارة الدخول معها في جدال سياسي أو استراتيجي لاعتبارات جرت وقائعها في مراحل معينة وتتطلب حنكة وخبرة ومقاربة مختلفة في التعامل، وهو ما يجب أن تضعه الإدارة في تصوراتها التي ستتعامل معها، وما سينطبق على التعامل مع روسيا والصين ودول الاتحاد الأوروبي، لن يتم في مجمل سيناريوهاته مع إسرائيل ومصر ومنطقة الخليج العربي فهل تتفهم الإدارة الأميركية ذلك؟