بقلم: نضال منصور – الحرة
الشرق اليوم- لا يزال فيروس كورونا يحصد أرواح الناس حول الكوكب، ولا تزال الإصابات في تصاعد مهددة الحياة، ومزلزلة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
آخر الإحصائيات العالمية تشير إلى أن أكثر من 114 مليون شخص قد أصيبوا منذ بداية الجائحة، في حين أكثر من 2.5 مليون فقدوا حياتهم، ومؤشر الإصابات والوفيات يتغير كل لحظة دون توقف.
العالم بعد مرور أكثر من عام على الجائحة يقف على مفترق طرق، فكل ما يملكه من أسلحة لمواجهة هذا الفيروس الفتاك الذي لا يُرى بالعين المجردة، الوقاية واللجوء للعزلة، والخيار الآخر تلقي اللقاحات التي تتسابق الدول على حيازتها بشكل مجنون لضمان التعافي.
البقاء بين جدران العزل مستحيل، والناس باتت تعاني الفقر بسبب توقف الأعمال طوال الأشهر الماضية، فأصبح الطريق الإجباري لمواجهة كورونا يمر عبر نجاح حملات التطعيم في بلدان العالم، وهي القضية التي خلفت أزمات سياسية واقتصادية، وأخلاقية من قبل.
مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، يدق ناقوس الخطر حين يُعلن أن 10 دول غنية احتكرت ثلاثة أرباع اللقاحات التي أنتجت في العالم.
إذا ما هو سائد ويقع حاليا أن الاعتبارات الأخلاقية لا تضعها الدول الغنية على رأس أجندتها في التعاطي مع لقاحات كورونا، هذا عدا عن جشع الشركات المصنعة للقاحات.
مدير منظمة الصحة العالمية يعترف أن الدول ذات الدخل المرتفع تُبرم صفقات ثنائية مع مصنعي اللقاحات مما يقوّض الصفقات التي يُبرمها برنامج “كوفاكس”، ويُقلص عدد الجرعات التي يمكن شراؤها.
القصة برأي تيدروس ليست مالية، فما قيمة المال إذا لم تكن هناك لقاحات لشرائها، منبها أنه لا يمكن تقديم اللقاحات للدول الفقيرة إذا لم تتعاون بلدان الدخل المرتفع، ويعتبر أن الأمر ليس صدقة أو عملا خيريا، بل هي مسألة وبائية، والأهم ما قاله من تحذير “ما لم ينتهِ الوباء في كل مكان، فلن ينتهي في أي مكان”.
هذه البديهية التي طرحها مدير منظمة الصحة العالمية مهمة لوقف “سباق التسلح” على لقاحات كورونا، فالتحذير الذي يُطلقه يعني أن أي دولة في العالم لا يمكن أن تبني أسوارا حول نفسها، أو تنعزل عن العالم، فماذا يُفيدها لو حصنت سكانها وحدهم، ومن يأتون إليها يحملون الفيروس ويمكنهم نقل العدوى؟
نُفذت 224 مليون عملية تطعيم في العالم حتى الآن، واستنادا إلى مؤشرات وبيانات بلومبيرغ فإن أمريكا مثلا، والتي أعطت ما يُقارب 60 مليون جرعة، تحتاج 9 شهور حتى تُغطي 75 بالمئة من السكان، الأكثر أهمية وفق بلومبيرغ أن تذبذب وبطء إعطاء اللقاحات في دول العالم وخاصة الفقيرة يعني أن خلق مناعة مجتمعية عالمية يحتاج إلى سبع سنوات، وهو ما يُبقي الدول تحت رعب جائحة كورونا.
في تصدر “سباق التسلح” نحو امتلاك اللقاحات تتقدم دون منازع إسرائيل وتحتل المرتبة الأولى، إذ تمكنت من إعطاء اللقاح لـ 91 من كل 100 شخص، وهو ما يطرح أسئلة مُستغربة، كيف استطاعت دولة صغيرة أن تحصل على كل هذه اللقاحات رغم شُحها، وهل يُعطي العالم والشركات امتيازا لدولة محتلة تطبق في كثير من ممارساتها نظام الفصل العنصري؟
دولة الإمارات تحتل المرتبة الثانية عالميا في إعطاء اللقاحات لسكانها، تتبعها بريطانيا، وتليها أميركا.
منظمة الصحة العالمية وضعت آلية لتسريع الوصول إلى أدوات لمكافحة كوفيد-19، ويحتاج تطبيقها إلى 26 مليار دولار، وما تعهد بجمعه قادة مجموعة الدول السبع والاتحاد الأوروبي 4 مليار و300 مليون لضمان توزيع عادل للقاحات، وهذا بالطبع لا يكفي لحل هذه الأزمة العالمية، وبالتأكيد لتطبيق إجراءات فاعلة لمحاصرة الوباء تمهيدا للقضاء عليه.
الكارثة الصحية التي أطبقت على دول العالم منذ نهاية 2019، مرورا بكل عام 2020، واستمرارا لهذا العام 2021 بفعل تداعيات الجائحة ليست الأمر الوحيد المُقلق، فالوضع الخطير للصحة يتلازم مع أسوأ وضع اقتصادي في العالم منذ 20 عاما، والبنك الدولي في تقرير له تحت عنوان ” الفقر والرخاء المشترك “، يُشير إلى أن نحو 88 مليونا إلى 115 مليون إنسان دفعتهم جائحة كورونا عام 2020 إلى براثن الفقر المُدقع، وسيرتفع هذا العدد ليصل إلى 150 مليونا مع نهاية العالم الجاري.
رئيس مجموعة البنك الدولي، ديفيد مالباس، يرى أن العالم حتى يتمكن من عكس مسار هذه الانتكاسة في مجال التنمية ومكافحة الفقر، سيتعين على البلدان الاستعداد لاقتصاد مختلف فيما بعد انحسار الجائحة، يسمح بانتقال رأس المال، والعمالة والمهارات، والمبتكرات إلى شركات وقطاعات جديدة، موضحا أن الجائحة اقترنت بضغط الصراعات، والتغيير المناخي مما سيجعل تحقيق هدف القضاء على الفقر عام 2030 أمرا بعيد المنال.
وحتى لا نذهب بعيدا في التخيل، فإن الأردن، وهو ليس مصنفا من الدول الفقيرة، يعاني انكماشا في الاقتصاد يبلغ 2.2 بالمئة، وهو أسوأ تراجع منذ عام 1993، وارتفاعا في معدلات البطالة إلى 23.9 بالمئة، وحسب توقعات رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي محمد الحلايقة فإن إيرادات الحكومة ستتراجع أيضا هذا العام.
ما يزيد الوضع صعوبة عودة الأردن إلى المربع الأول بعد اللجوء لفرض الحظر الشامل يوم الجمعة، وتمديد ساعات الحظر الليلي إثر تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا، حتى وصلت إلى 6 آلاف حالة، وزادت نسبة إشغال المستشفيات وغرف العناية الحثيثة.
الأردن يعاني مثل كثير من دول العالم من تدفق اللقاحات، ورغم توقيعه العديد من العقود مع الشركات المصنعة فإن وصولها تعثر، ولهذا فإن الرقم المُعلن من وزير الصحة، نذير عبيدات، عن عدد من تلقوا المطعوم لا يزيد عن 150 ألف شخص، وهو رقم متواضع جدا بعد مضي أكثر من شهر ونصف على انطلاق الحملة الوطنية للتطعيم.
حالة التشاؤم والقلق زادت بين الناس، والانتقادات للحكومة ارتفعت أصواتها، ويكشف استطلاع أعده مركز الدراسات الاستراتيجية تحت اسم “نبض الشارع”، أن 73 بالمئة يرون أن الأوضاع الصحية تسير بالاتجاه السلبي، و68 بالمئة يعارضون قرار الحكومة لإعادة حظر يوم الجمعة.
النتيجة الظاهرة للعيان ليس في الأردن فحسب، أن الخطر ما زال جاثما، وكل يوم تتشح منصات التواصل الاجتماعي بصور أحبة يرحلون، نفقدهم دون فرصة للوداع.
رغم استبشارنا بانتصار العلم على فيروس كورونا، والبدء بعجلة إنتاج اللقاحات التي ستحاصر الجائحة، وتقضي عليها في أقرب الآجال، إلا أن صراع الأغنياء لحماية أنفسهم، والاستحواذ على المطاعيم دون رادع أخلاقي في الالتفات إلى الفقراء الذين يموتون، سيضع الجميع في مهب الموت، وستغرق سفينة هذا الكوكب حين يخرقها جشع الدول التي تحوز الثروات والذين ظلوا يرددون “يا وحدنا”!