الرئيسية / مقالات رأي / جدل العلاقة الروسية ــ البيلاروسية

جدل العلاقة الروسية ــ البيلاروسية

بقلم: فايز رشيد – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- موسكو تحرص على علاقة وطيدة مع مينسك، وسط رغبة من جانبها في تعميق التكامل بين البلدين

بعد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، حرصت العديد من الجمهوريات الجديدة الناشئة على تمتين علاقاتها مع الفيدرالية الروسية، باعتبارها وريثة الاتحاد المنهار. وكان من بين أهم هذه الجمهوريات (الدول)، جمهورية بيلاروسيا بقيادة ألكسندر لوكاشينكو، المقرّب كثيراً من الرئيس بوتين، نظراً للتشابه الكبير في العديد من المجالات بين شعبيهما، وسياسات نظاميهما. ورغم هذا، تضاربت مصالح الطرفين في العديد من القضايا، بخاصة النفطية، وتحوّلت أحياناً إلى شبه توتر في علاقاتهما على الرغم من وفرة الاتفاقيات العديدة الموقّعة بينهما، خصوصاً في الشق العسكري.

 فقد ارتبط البلدان بمعاهدة اتحاد تعود إلى ديسمب 1999، التي دخلت حيز التنفيذ في 26 يناير 2000، ومن بين نصوص المعاهدة المشتركة بينهما، بند ينص على أن يتبنّى البلدان سياسات خارجية وأمنية ودفاعية واحدة، وبميزانية مشتركة، وسياسة مالية ائتمانية وضريبية، وتعرفة جمركية، ومنظومتي طاقة واتصالات ومواصلات واحدة. مع احتفاظ كل من البلدين ضمن التحالف بسيادته، ووحدة أراضيه، وأجهزة دولته، ودستوره، وعَلمه، وشعاره.

 وبالنسبة إلى روسيا، فإنها وبسلوكاتها «السوفييتية» تعتبر حكماً أن بيلاروسيا هي جزء منها، خصوصاً أنه حتى وقتٍ قريب، أي في منتصف شهر فبراير/ شباط الماضي، كان لوكاشينكو يؤكد، ومن موسكو، على مسمع الرئيس بوتين القول: «إننا مستعدون للسير قدماً على طريق توحيد الجهود ودمج البلدين بقدر الاستعداد الذي يبديه الشعبان، ولو كان الأمر بيدينا، لأعلنّا عن الاتحاد غداً، فلا توجد لدينا أي مشكلة في ذلك». وقال كلاماً جميلاً يُراد منه معالجة الخلاف الأكبر بين البلدين، والمتمحور حول «المناورة الضريبية للقطاع النفطي في روسيا». فبحسب مينسك، فإن «بيلاروسيا ستخسر خلال 4 سنوات نحو 11 مليار دولار بسبب هذه المناورة»، والتي تنصّ على تخفيض رسوم تصدير النفط الروسي الخام من 30 في المئة حالياً حتى الصفر بحلول عام 2024، مقابل رفع ضريبة الإنتاج (استخراج ومعالجة النفط وغيره من مواد خام)، لكن رغم تصريحه المتفائل كثيراً، لم ينجح لوكاشينكو في كسب ودّ بوتين، ما دفع الأول إلى رفع مواقفه بصورة تصاعدية. فاستبعد «احتمال ضمّ روسيا لبلاده»، على عكس ما تمنّاه بوتين حين قال «إنه ينبغي على البلدين أن يندمجا أكثر حتى تتمكن بيلاروسيا من الحصول على أسعار مخفضة للغاز الطبيعي الروسي والموارد الأخرى».

من جانب آخر، بينما كان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، ونظيرهم الأمريكي أنتوني بلينكن، مجتمعين مؤخراً، لإقرار عقوبات على روسيا، وأخرى لفرضها على بيلاروسيا، التأمت قِمّة في سوتشي بين بوتين ولوكاشينكو من دون أن يخرج عنها بيان يرسم مساراً واضحاً لعلاقاتهما، ويُحدِّد مستقبل دولة الوحدة المعلّقة حتى إشعار آخر. وفي ضوء الضغوط التي يتعرّض لها النظام الحاكم في مينسك منذ فوز لوكاشينكو بولاية رئاسية سادسة في أغسطس/ آب الماضي، وما أعقبها من أزمة كادت تنزلق إلى فوضى عارمة، زكّتها معارضة أوروبا والولايات المتحدة احتجاجاً على عودته إلى السلطة، كان الكرملين يتمسك بحليف الأمر الواقع، طالما أن أيّ بديل عنه ليس متوفراً بعد.

 وبالفعل، قرر وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والوزير الأمريكي، فرض عقوبات جديدة على بيلاروسيا وروسيا، بخاصة على أربعة من قادتها، على خلفية اعتقال المعارض الأبرز للكرملين أليكسي نافالني، وقمع أنصاره. ومن المتوقع أن يستخدم الاتحاد الأوروبي آلية جديدة لفرض عقوبات على مسؤولين آخرين في البلدين يعتبرهم متورطين في انتهاكات حقوق الإنسان.

 ومعروف أن الدول الأوروبية وأمريكا فرضت تدابير عقابية ضد الجمهوريتين على خلفية دورهما في الصراع في أوكرانيا. ويُدرك الأوروبيون الذين أقرّوا ثلاث مجموعات من العقوبات على موسكو ومينسك، وأدرجوا رئيسها في القائمة السوداء، أن فرض عقوبات جديدة على بيلاروسيا لن يأتي بنتيجة في ظلّ الدعم الروسي الذي يحظى به لوكاشينكو، كما أن تقوية الشعور لدى شعبي الجمهوريتين ورئيسيهما سيزداد من خلال الشعور بتقوية عناصر دولة الوحدة بين شعبي البلدين، ونظاميهما، وهذا ما يؤدي إلى قلق الغرب الذي يخشى أن تؤدي تقوية الوحدة بين البلدين إلى «تغيير ميزان القوى في أوروبا»، وفقاً لما كتبته صحيفة «وول ستريت جورنال» التي ذكرت أن وزير الخارجية البولندي ياتسيك تشابوتوفيتش يجد الوضع «خطيراً»، ويرى أنه من الضروري أن تؤيد البلدان الأوروبية «استقلال» بيلاروسيا، بينما يرى ألكسندر فيرشبو مساعد سابق لوزير الدفاع الأمريكي، أنه من الضروري أن تتحلّى البلدان الغربية بالحرص والحذر، حتى لا تذهب مسيرة الوحدة بين روسيا وبيلاروسيا بعيداً جداً.

 من جانبها، فإن موسكو تحرص على علاقة وطيدة مع مينسك، وسط رغبة من جانبها في تعميق التكامل بين البلدين، على الرغم من مخالفة لوكاشينكو نصائحها في مسألة الإصلاح الدستوري في بيلاروسيا، ورفضه نقل السلطة عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة.

 والمحصلة العامة للعلاقة بين البلدين تتمثّل في تطويرها كثيراً، لكنها ستبقى دون مستوى الوحدة الاندماجية الكاملة.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …