بقلم: عريب الرنتاوي – الدستور الأردنية
الشرق اليوم- ينقسم المراقبون لأداء إيران لملفها النووي وعلاقاتها بالولايات المتحدة إلى مدارس ثلاث: الأولى؛ وتعتقد أن طهران اختارت التصعيد، سياسياً وميدانياً، مباشرة ومن خلال حلفائها في اليمن والعراق، وضد إهداف أمريكية وحليفة (السعودية بخاصة)، لأسباب تتعلق حصراً برغبتها في انتزاع «صفقة» مواتية، تعيد واشنطن لاتفاق فيينا 2015 النووي بحذافيره، من دون إضافة أو تعديل، وتخرج صواريخها الباليستية ونفوذها الإقليمي من على موائد التفاوض اللاحق: لعبة «عض أصابع» تستهدف تحسين شروط الصفقة المحتملة، يقول هؤلاء.
الثانية؛ وتفترض أن إيران في ذروة موسم انتخابات رئاسية، مُقررة في حزيران المقبل، وهي لحظة تنفتح فيها «بازارات» السياسة والشعارات، كما لو أننا في «مزاد علني»…محافظو طهران لا يريدون لإصلاحييها قطف ثمار «رفع العقوبات»، وتحويلها إلى أوراق اقتراع في صناديق مرشحهم، وأن المفاوضات الحقيقية بين إيران والولايات المتحدة، ستبدأ فعلياً بعد الانتخابات، وربما في آب أو أيلول القادمين، بعد أن يجلس على مقعد الرئاسة، رئيس جديد لجمهورية إيران الإسلامية.
الثالثة؛ وترى، أن إيران التي اكتوت بنيران ترامب وسنوات حكمه الأربع العجاف، تعلمت الدرس بالطريقة الأصعب: لا يمكن الثقة بواشنطن، ولا بوعودها وتواقيع رؤسائها وكبار مسؤوليها، وأن سياسة «أقصى الضغوط» الترامبية، فضلاً عن إبقاء «خيار القوة العسكرية على الطاولة»، يجعلها تعيد النظر في «عقيدتها النووية»، وتتخلى عن «فتوى خامنئي» بتحريم امتلاك القنبلة النووية (البعض يشكك بجدية هذه الفتوى أصلاً)، ويقول أنصار هذه المدرسة، إن «القنبلة» باتت شبكة الأمان الأهم لإيران، وأنها ستسير على طريق امتلاكها مهما كلف الأمر.
طهران تنفي طروحات المدرسة الثالثة، وتؤكد أنها ما زالت عند فتوى مرشدها وقائدها الأعلى…فيما الخبراء النوويين يتساءلون عن «السرّ» وراء التخصيب بنسبة مئوية عالية، وتخزين كميات من اليورانيوم تفوق حاجات طهران «السلمية»، وأن زيادة أعداد أجهزة الطرد، ونوعيتها، وحقن مفاعلي آراك وفوردو، بالماء الثقيل، ليس له غرض سوى امتلاك تكنولوجيا القنبلة، والقدرة على تصنيعها، وربما في وقت أقصر بكثير مما تظن بعض الأجهزة الاستخبارية.
هذا وارد بالطبع، ومن حق إيران أن تقول إنها تعاملت لأربع سنوات مع رئيس «أرعن»، جُلّ همه استرضاء اليمين الأكثر تطرفاً في إسرائيل، وقاعدته اليمينية – الشعبوية – الإنجيلية، وأنها لن تقبل بعودة هذا «الكابوس من جديد»، وهي تنظر إلى إدارة بايدن، وترى محاولات تفلتها من اتفاق الدوحة مع طالبان، لا أحد في واشنطن على ما يبدو، يحترم تواقيع وتعهدات من سبقه، ومن حق خصوم واشنطن، كما حلفائها، أن يقلقوا من انحدار صدقيتها إلى هذا الحد.
ثم، إن طهران تنظر شرقاً وغرباً، فترى دولاً قريبة وبعيدة، أفلتت بقنابلها النووية، فلماذا لا تفعل هي شيئاً مماثلاً: إسرائيل تحتفظ بأكبر ترسانة نووية في الشرق الأوسط الكبير، وباكستان سبق وأن سمّت قنبلتها النووية بالقنبلة «الإسلامية»، لا أحد قال في وصف قنابل إسرائيل بالقنابل «اليهودية»، أو قنابل الغرب بالقنابل «المسيحية»، قنبلة باكستان وحدها تحظى بهوية دينية، وفي أزمتنا الراهنة، بات من الضروري التفريق مذهبياً بين القنابل كذلك، فإن كانت قنبلة باكستان «سنيّة» فلماذا لا تمتلك طهران، قنبلة «شيعية» بدورها.
هذا سيناريو، لن نعرف مدى جديته، إلا حين تُستكمل شروط مائدة المفاوضات الإيرانية – الأمريكية، حيث سيكون بمقدورنا التمييز بين ما هو «تكتيكي» في أداء طهران وما هو «استراتيجي»، هل نحن إزاء محاولة مستميتة لتحسين شروط «الصفقة»، أم أننا أمام انقلاب في «العقيدة النووية»؟