الرئيسية / مقالات رأي / الاتفاق النووي يترنح تحت عبء التصعيد

الاتفاق النووي يترنح تحت عبء التصعيد

بقلم: سميح صعب – النهار العربي

الشرق اليوم– في الرسائل المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران يغلب التصعيد على التهدئة. كل من الطرفين يريد إبراز مكامن القوة لديه في رحلة البحث عن مخارج للعودة إلى طاولة المفاوضات، بينما حظوظ إحياء الاتفاق النووي باتت ضئيلة إنْ لم تكن مستحيلة بفعل الانتهاكات التي تعرض لها.الرئيس الأميركي جو بايدن لا يريد أن يتنازل عن أهم رافعة يملكها في مواجهة إيران، وهي العقوبات التي فرضها سلفه دونالد ترامب، رغم أن الرئيس الديموقراطي لا يخفي حماسة للعودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة التي تعرف اختصاراً بالاتفاق النووي. ويرسل في الوقت نفسه إشارات إيجابية، كمثل عدم ممانعته إجراء كوريا الجنوبية مفاوضات مع طهران للإفراج عن نحو مليار دولار من أصل 8 مليارات دولار من الودائع الإيرانية المجمدة لدى سيول. خطوة كهذه لا يمكن أن تقدم عليها كوريا الجنوبية من دون ضوء أخضر أميركي.   

وفي سياق إشارات حسن النية غير المباشرة، سحبت إدارة بايدن طلباً كان تقدم به ترامب في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي إلى الأمم المتحدة لإعادة تفعيل العقوبات الأممية على إيران. 

وتحت إلحاح من الحلفاء الأوروبيين الموقعين على الاتفاق النووي، وافقت واشنطن على إجراء مفاوضات مع إيران في إطار صيغة “5+1” السابقة التي توصلت إلى اتفاق فيينا عام 2015. 

رسائل واشنطن ليست كلها تهدوية، بل إنها أحياناً تعكس نفاد صبر، على غرار الغارات الأميركية على مواقع تابعة لفصائل عراقية موالية لإيران تتمركز في شرق سوريا على الحدود مع العراق. وسارع البنتاغون إلى وضع الغارات في إطار الرد “المحسوب” على هجمات صاروخية تعرضت لها قواعد أميركية في العراق في الأيام الأخيرة. 

وترى إيران، من ناحيتها،  أن كل ما تفعله إدارة بايدن، لا يلبي الحد الأدنى من المطلب الأساسي وهو رفع عقوبات “الضغط الأقصى” التي أنهكت الاقتصاد الإيراني. وفي الوقت نفسه تسعى طهران إلى عدم الظهور بمظهر ضعف أو الساعية إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات بأي ثمن. ولهذا تصعد في خطابها السياسي على صعيد الإجراءات العملانية. ويلوح المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، بنسبة تخصيب تصل إلى 60 في المئة عوض نسبة العشرين في المئة الحالية. كما شكل وقف العمل بالبروتوكول الإضافي نقطة تصعيد أخرى، فضلاً عن زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي ورفع المخزون من اليورانيوم المخصب إلى أضعاف ما يسمح به الاتفاق النووي. وفوق كل ذلك، كان الرفض الإيراني للاقتراح الأميركي إجراء مفاوضات غير رسمية في إطار مجموعة 5+1. 

ورغم ذلك، لم تقفل إيران الباب نهائياً أمام عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من طريق التوصل إلى صيغة موقتة لمدة ثلاثة أشهر مع المدير العام للوكالة رافايل غروسي الأسبوع الماضي، تقضي بأن يطلع المفتشون على النشاطات النووية الإيرانية بعد مدة من حصولها.    

وعليه، تبقى المعضلة الأساسية على الشكل الآتي: أميركا تشترط لرفع العقوبات عودة إيران بلا شروط إلى الاتفاق، ومن ثم البحث في توسيعه ليشمل المزيد من القيود على نشاطاتها النووية، فضلاً عن كبح جماح برنامجها الصاروخي ونفوذها الإقليمي. وفي الضفة المقابلة، تشترط طهران للتفاوض، رفع العقوبات والعودة إلى الاتفاق الأصلي، من دون إظهار أي مرونة في ما يتعلق بالمطالبة الأميركية، توسيع الاتفاق. 

ولم تنجح المساعي الأوروبية في تحقيق ثغرة بين السقفين العاليين الأميركي والإيراني. وتبدو فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين، وهي الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق، وكأنها هي الأكثر حرصاً على اتفاق خرجت منه أميركا عام 2018، بينما خروج إيران على الكثير من بنوده اليوم، يكاد يطيحه نهائياً.

إن العقدة لا تزال كامنة في من يتنازل أولاً، أو من يتوجب عليه أن يخطو الخطوة الأولى، في حين أن الوقت ينفد أمام ما تبقى من فرص لإنقاذ الاتفاق. 

ويحاول الرئيس الإيراني حسن روحاني أن يوحي للإدارة الأميركية الجديدة، بأن عليها أن تسارع لإنقاذ الاتفاق في المدة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الإيرانية في أيار (مايو)، والتي من المرجح أن يفوز بها التيار المتشدد، وتالياً يصير من العسير على واشنطن الحصول على أي تنازل من الجانب الإيراني. 

ومع تمسك كل طرف بخطوطه الحمر، تضيق مساحة الوقت المتبقية أمام احتمالات إحياء الاتفاق بتلك السهولة التي تصورها البعض.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …