بقلم: سليمان جودة – الخليج الإماراتية
الشرق اليوم- يتهيأ العراق هذه الأيام لاستقبال البابا فرنسيس الأول، بابا الفاتيكان الذي سيذهب إلى منطقة أور الأثرية في الجنوب، حيث ولد سيدنا إبراهيم عليه السلام، وحيث سيؤم البابا هناك صلاة مشتركة مع المسلمين في المنطقة وغير المسلمين!
ولا بد أن صلاة كهذه سيتابعها العالم في كل مكان، وستعيد تذكير الجميع بالصلاة التي كان البابا قد أمّها في أبوظبي في الرابع من فبراير 2019.
وقتها كان البابا قد حضر إلى العاصمة الإماراتية، وكان إلى جواره الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وكان الهدف من وجود الرجلين هو التوقيع على وثيقة الأخوة الإنسانية.
وقد صارت الوثيقة حدثاً من بعد ذلك اليوم، ولم تمتلك الأمم المتحدة وهي ترى ذلك سوى أن تعلن الرابع من فبراير/شباط في كل سنة يوماً للأخوة الإنسانية، وكان هذا من دواعي السرور دون شك. وهل هناك ما يدعو إلى السرور أكثر من أن يلتقي الشيخ الطيب، كرمز إسلامي له مكانته العالية في أرجاء العالم الإسلامي، والبابا فرنسيس كرمز مسيحي له المكانة ذاتها في الغرب، فيتقرر أن يكون يوم لقائهما يوماً للأخوة الإنسانية في أرجاء العالم يحتفل به الناس؟
لا بد أن باقي العواصم في أنحاء الدنيا تحسد دولة الإمارات على أنها احتضنت ذلك اللقاء الكبير، ثم ضمنت له النجاح الذي يصل به إلى غايته الأخيرة.
هذه المرة ستكون وجهة البابا إلى بلاد الرافدين، وسيحل ضيفاً على الحكومة هناك لثلاثة أيام في الشهر المقبل، وستكون الزيارة من بين الخطوات التي لها ما بعدها في البلد المضيف، وكذلك في المنطقة كلها من حول هذا البلد صاحب الحضارات.
سيذهب الرجل إلى مدينة الموصل شمالي العراق، وسيحاول تجفيف دموعها القديمة قدر استطاعته، وسيعمل على التخفيف من أحزانها على ما مضى من أمرها قدر إمكانه، وسيطل عليها راغباً في أن تكون إطلالته على أرضها خاتمة لأيام صعبة شهدتها طوال سنوات ثلاث.
كانت السنوات الثلاث هي الأعوام الممتدة من 2014 إلى 2017، وهي الأعوام التي نشط فيها تنظيم «داعش» الإرهابي، كما لم ينشط من قبل، والتي راح فيها التنظيم يعربد في المدينة كما لم يعربد أي تنظيم متطرف في أي مدينة قبلها.
الذين تابعوا نشاطه في تلك الأيام يذكرون كيف أن «الدواعش» كانوا يستهدفون الجميع، ولكنهم كانوا يستهدفون المسيحيين في الموصل بشكل خاص، وكانوا يطاردونهم من مكان إلى مكان، إلى الدرجة التي قيل معها أيامها، إن الموصل الحزينة تكاد تخلو تماماً من المسيحيين.
وليس في القرآن الكريم آية واحدة، ولا في السنة النبوية حديث صحيح واحد، يقول إن المسلم يمكن أن يتعامل مع أهل الكتاب بالطريقة التي تعامل بها «الدواعش» مع المسيحيين في المدينة.
إن البابا يمثل قوة روحية كبيرة، وهو الزعيم الروحي الذي يصلي وراءه مليار وثلاثمئة مليون مسيحي كاثوليكي في شتى الدول، وهو علاوة على ذلك، يسعى بين الناس جميعاً منذ جلس في موقعه في الفاتيكان، بكل ما يؤسس لقيم التسامح والتعايش والمحبة والحوار، وبكل ما يرسخ لها بين الخلق في العموم، بصرف النظر عن الديانة التي يعتنقها كل واحد، أو اللون، أو الجنس، أو كل ما من شأنه أن يجعل من الإنسان في هذه الأرض مختلفاً عنه في تلك الأرض.
لقد دمر «الدواعش» 14 كنيسة في الموصل، وكان ذلك من بين مواجع المدينة الباقية، وستكون زيارة البابا من بين بواعث التفاؤل في العراق على امتداده وليس في الموصل وحدها.. تماماً كما كانت زيارته إلى أبوظبي في وقتها من بين إضاءات الأمل.