بقلم: محمد خليفة – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – الشيء الذي يؤرق بال العلماء، خاصة المهتمين بمستقبل البشرية، هو ارتفاع درجات حرارة الأرض بفعل الاحتباس الحراري الناتج عن انبعاث غازات الدفيئة التي تتجمع في الغلاف الجوي للأرض، وتتسبب في حدوث التغييرات المناخية الخطيرة، لقد فشل الإنسان من إدراك هذه الحقائق الطبيعية، ما سيؤدي إلى النتيجة الحتمية، التي لا مفر منها، وهي الارتكاس في المنحدر الهابط من التغييرات، والانتهاء إلى إهدار المقومات الكلية لكوكب الأرض وصيرورته، ونفاد المخزون المحدود للموارد الطبيعية، وانتشار التلوث الذي بات يتعذر اجتنابه. ونتيجة هذه العوامل مجتمعة من المتوقع أن يُجبر الإنسان على كبح جماح رفاهيته في المستقبل القريب.
والمسألة لا تخص شعباً دون آخر، ولا قارة دون أخرى، بل إنها لا تخص البشرية كلها فحسب، وإنما تطال الكارثة كل الكائنات على كوكب الأرض، إذ دفعت بعض أصناف الحيوانات المنقرضة ثمناً باهظًا لعبث الإنسان بكوكب الأرض.
لقد استمرت الحياة على هذا الكوكب منذ آلاف السنين دون أن يتأثر مناخ كوكب الأرض بصورة قد تشكل تهديداً للبشرية، لكن منذ سبعينات القرن الماضي، بدأ العلماء يلاحظون تغييرات طرأت على مناخ الأرض، تتمثل بشكل أساسي في ارتفاع درجات الحرارة، ما استدعى تحرك المجتمع الدولي لمحاصرة تلك الظاهرة ومنعها من تخريب الحياة على الأرض، حيث تم صياغة اتفاقية دولية بشأن تغير المناخ صدقت عليها 195 دولة. ومن ثم تم اعتماد بروتوكول كيوتو من أجل تطبيق الاتفاقية، ودخل ذلك البروتوكول حيّز النفاذ. وحدّد أهدافاً تتمثل في تقليص الدول المتقدمة من انبعاثات غازات الدفيئة والحدّ منها، وكذلك البلدان ذات الاقتصاد الانتقالي.
وفي قمة المناخ التي انعقدت في باريس في شهر ديسمبر 2015، اتفقت الدول على معاهدة تستهدف الحد بشكل كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين مع السعي إلى الحد من الزيادة إلى 1.5 درجة. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الدولة الصناعية الأولى في العالم، قد اعترضت على هذا الاتفاق، وأعلن الرئيس السابق دونالد ترامب، انسحاب بلاده منه بعد الموافقة عليه، بحجة أنه لا توجد أدلّة ملموسة على ظاهرة الاحتباس الحراري، وأن كل ما يقال في هذا الخصوص هو استنتاجات غير مدعمة بالأدلة العلمية. لكن الرئيس الجديد جو بايدن ألغى قرار ترامب، وأعاد الولايات المتحدة إلى ذلك الاتفاق الدولي. ووعد بايدن بتخفيض انبعاثات الولايات المتحدة الكربونية إلى الصفر بحلول عام 2050، ومن شأن هذه الخطوة خفض درجات الحرارة العالمية ب0.1 درجة مئوية بحلول عام 2100.
وكانت درجة الحرارة في القطب الشمالي قد وصلت إلى 100.4 فهرنهايت (38 درجة مئوية) خلال يونيو 2020، وهي أعلى درجة حرارة يسجلها القطب الشمالي منذ بداية حفظ القياس الحراري عام 1885، بحسب صحيفة «جارديان» البريطانية. وأدَّت درجة الحرارة المرتفعة إلى إذابة الجليد البحري، وقد أشارت توقعات مناخية صادرة عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، إلى أنّه من المرجح أن يتجاوز المتوسط السنوي لدرجات الحرارة العالمية مستويات ما قبل العصر الصناعي (1850-1900) بمقدار درجة واحدة مئوية على الأقل في السنوات الخمس القادمة. ويقول بعض العلماء، إن الأرض وصلت إلى نقطة اللاعودة بشأن الاحتباس الحراري، وحذر فريق بحثي نرويجي من أن ذوبان الجليد في القطب الشمالي، نتيجة ارتفاع حرارة الأرض، بلغ «نقطة اللاعودة». واستند الباحثون، في دراسة نشرتها دورية «ساينتفك ريبورتس» إلى نموذج لمحاكاة التغيرات المناخية حتى عام 2500، أظهر أنه حتى إذا أمكن خفض غازات الاحتباس الحراري، الناتجة عن الأنشطة البشرية، إلى «الصفر»، فإن درجات الحرارة ستستمر في الارتفاع عدة قرون، بسبب تجمع كميات هائلة من الكربون في الغلاف الجوي، ويقترح العلماء خطة تهدف إلى وقف الارتفاع في درجات الحرارة، بعد وقف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تماماً، وذلك بالتخلص من 33 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون، من الغلاف الجوي، بصورة سنوية، باستخدام طرق احتجاز الكربون وتخزينه. ومن أجل تحقيق هذا الهدف يجب أن تبدأ البشرية مشروعاً ضخماً للتوقف عن استخدام الوقود الأحفوري قبل عام 2050، والعمل على احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي، على مدار 150 سنة تالية.
والواقع أن إنقاذ كوكب الأرض، وإنقاذ الحياة عليه هي مهمة ينبغي أن تتكاتف فيها جهود مختلف الدول من أجل تحقيقها، لأن ارتفاع درجات الحرارة المستمر ينذر بنهاية مأساوية للحياة على كوكب الأرض في المستقبل.