بقلم: محمد قواص – النهار العربي
الشرق اليوم- لا تعترف إسرائيل رسمياً بأنها تمتلك السلاح النووي، ويتحدث معلقوها وصحافيوها عن الأمر بصفته احتمالاً لا يقين به. ومع ذلك فإن روايات حرب 1973 تحدثت عن أن القيادة الإسرائيلية بحثت في الأيام الأولى للحرب خيار استخدام السلاح النووي، فيما تناولت تقارير دولية ذلك السلاح والأعداد المحتملة للقنابل التي تمتلكها إسرائيل من دون أن يصدر أي تأكيد رسمي.ليس مهماً أن تقر إسرائيل بالأمر، لا بل إن تقصّدها وضع هالة من الغموض على الأمر يهدف إلى تعظيم القوة الجبارة لديها. كما أن عقائد الأمن لديها وخطاب الخوف من المحيط، منحت الاحتمال النووي الإسرائيلي “تفهماً” تبريرياً دولياً.
إسرائيل هي جزء من النادي النووي في العالم شأنها في ذلك شأن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، كما شأن الهند وباكستان وكوريا الشمالية. وإذا ما كان لحكايات اقتناء القنبلة النووية ظروف وشروط (خصوصاً في مرحلة الحرب الباردة)، فإن إسرائيل تبدو متعايشة على نحو صامت مع أعضاء النادي النووي، وتمتلك هذه الحصرية في الشرق الأوسط.
قد يعود عدم اعتراف إسرائيل بواقعها النووي إلى سعي لتجنب علنيةٍ قد تشرّع في المنطقة سباق تسلح نووي محتمل. وهي إن حافظت دائماً على هذا الاستثناء النووي فدمّرت أي منشآت نووية ناجزة أو طامحة في العراق وسوريا، فإن عملية إزالة أي خطر عسكري نووي في إيران هي مسألة حاسمة لدى الطبقة السياسية، بكل أطيافها، كما لدى مؤسسات الأمن والجيش، وهي مسألة لن تعارضها أي قوى دولية، وخصوصاً الولايات المتحدة.
وفق هذه المسلّمة ذهب المجتمع الدولي، لا سيما أوروبا قبل الولايات المتحدة، الى ممارسة كل الضغوط لضبط البرنامج النووي الإيراني وإزالة احتمالاته العسكرية. ووفق تلك المسلّمة أيضاً انخرطت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في مباحثات خلفية ثنائية مع طهران أسست لتفاهمات التحقت بها دول أخرى لإبرام اتفاق فيينا عام 2015.
بهذا المعنى، فإن الهدف الأساسي للاستثمار في الدبلوماسية من جانب المجتمع الدولي لإنتاج الاتفاق النووي الشهير هو استبعاد احتمال الاستثمار في الحرب. فالمنظومة الغربية، لا سيما الولايات المتحدة، وفق تجارب سابقة، ستدعم إسرائيل من دون تردد في أي حرب تخوضها ضد إيران لمنع الأخيرة من إنتاج قنبلتها النووية.
وإذا ما كان أوباما أراد تجنيب بلاده الانجرار إلى تلك الحرب المحتملة من خلال توفيره لإسرائيل آلية دولية لضبط برنامج إيران النووي، فإن الأمر لم يختلف هذه الأيام، وأي مقاربة أميركية لإدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن ستأخذ في الاعتبار دائماً، في شكل وحيثيات ومضمون أي اتفاقات جديدة مع إيران، مصلحة إسرائيل ورؤاها في مسائل الأمن الاستراتيجي.
بناءً على التزام الولايات المتحدة الدفاع عن أمن إسرائيل، تحركت إدارة أوباما عام 2013 (وكان حينها بايدن نائباً للرئيس) وهددت بالتحرك العسكري ضد النظام السوري إثر اتهامه باستخدام الأسلحة الكيماوية في غوطة دمشق. ولأن إخراج النظام السوري أسلحة الدمار الشامل من مخازنها آنذاك يمثل تهديداً لأمن إسرائيل، تولّت روسيا الإشراف على سحب المخزون الكيماوي وإخراجه من سوريا. وعلى هذا فإن القوى العظمى، على تناقض مصالحها وتضارب أجنداتها، مجمعةٌ، من خلال مجموعة الـ 5+1 (بما فيها روسيا والصين)، على ضمان وحماية إسرائيل وأمنها.
والحال أن المنطقة العربية، بما في ذلك المجموعة الخليجية، لطالما اعتبرت أن السجال حول البرنامج النووي الإيراني هو شأن يخضع لحسابات دولية لا تأخذ مصالحهم بعين الاعتبار. وفي هذا إقرار مبطن بأن للورشة الأميركية الدولية في هذا الصدد هماً إسرائيلياً من دون أي اكتراث بما يمكن للاتفاق (2015) أن يوفره لإيران من عوامل قوة واستقواء على بلدان المنطقة. حتى أن أوباما حاول من خلال “عقيدته” الشهيرة (2016) دفع بلدان المنطقة للخضوع لـ”قدر” الاتفاق والبحث عن “شراكة” مع إيران.
لا يحمل جو بايدن الود نفسه الذي كان يكنّه الرئيس السابق دونالد ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. يتذكر بايدن الوقاحة التي تعامل بها نتنياهو مع أوباما في فترتي رئاسته، وتنكشف البرودة الحالية في علاقة الرجلين بتأخر بايدن في الاتصال بنتنياهو 4 أسابيع فيما اتصل ترامب به بعد يومين فقط من دخوله البيت الأبيض.
كل ذلك تفصيل. لبايدن تاريخ عريق في الدعم المطلق لإسرائيل، وهو صاحب التصريح الشهير بأنه صهيوني حتى لو لم يكن يهودياً، ما يجعل من العامل الإسرائيلي أساسياً في سياساته تجاه إيران. ويمكن لهذا الواقع أن يفسر إصراره على تكراره أن الملف النووي هو المهم والأهم، في حين تأتي الملفات الأخرى، على أهميتها، رديفة ملحقة.
والحقيقة أن إيران نفسها تدرك هذه الحقيقة وتعرف جيداً استحالة السماح لها، إسرائيلياً قبل دولياً، باقتناء السلاح النووي. أما التلويح بالقنبلة النووية الإيرانية فهدفه القبول بالتمدد الإيراني في المنطقة، وتأمين إقرار دولي يضمن أمن نظام الجمهورية الإسلامية. وعلى هذا يظهر يوماً بعد آخر أن إيران، التي لا ترد على ما تتكبده من ضربات إسرائيلية موجعة في سوريا، ستكون مستعدة للتعاون في ما هو مطلوب منها نووياً طالما أنه ملف يقلق إسرائيل، إلا أنها ستماطل وترفض وتعرقل أي ضغوط تتعلق ببرنامجها للصواريخ البالستية ونفوذها في بلدان المنطقة طالما أن تلك الملفات ليست أولوية إسرائيلية.
واقع الحال أن تصعيد إيران إلى حد وقف العمل بالبروتوكول الإضافي ليس لعباً على حافة الهاوية، ذلك أنها بعيدة جداً عن أي هاوية. طهران ما برحت منذ سنوات تقوم باحتجاز ناقلات النفط وتهدد الملاحة الدولية وتضرب القواعد الأميركية في العراق وتقف وراء صواريخ تنسب للحوثيين ضد السعودية وتعتقل زائرين أجانب أو غربيين من أصول إيرانية وتؤكد كل يوم نفوذها في “العواصم الأربع” من دون أي رد دولي رادع. وفي ذلك أن في الأمر ما يراد منه تعظيم خطورة إيران لتبرير الاتفاق المقبل معها وتمريره.
يبقى هنا أن على دول المنطقة أن تتنبه مبكراً إلى ما هو جدي وعرضي في حديث واشنطن (وباريس أخيراً) عن ضرورة مشاركة الحلفاء في المنطقة في أي اتفاق مع إيران. فإذا ما استنتج أوباما من اتفاقه الإيراني شراكة عربية إيرانية في المنطقة، فإن في ثنايا تفهم إيران أوليات إسرائيل الأمنية (الضربات في سوريا مثالاً) ما قد يؤسس لشراكة خبيثة صامتة بين إسرائيل وإيران ليست روح الـ”إيران غيت” بعيدة عن ظلالها.