بقلم: حسن فحص – اندبندنت عربية
الشرق اليوم– يمكن القول إن الصيغة التي رسى عليها الاتفاق بين الحكومة الإيرانية والوكالة الدولية للطاقة الذرية حول مسألة تعليق العمل بالبروتوكول الخاص بالتفتيش المباغت، كانت صيغة توفيقية سمحت لجميع أطراف الأزمة بالخروج من مأزق تداعيات هذه الخطوة السلبية، والادعاء كل من وجهة نظره بتحقيق “نصر نسبي” على الصعيدين السياسي والدبلوماسي يحقق الحد الأدنى من أهداف كل طرف، ويحدّ من الآثار السلبية التي يمكن أن توصل الأمور إلى المواجهة أو تعيدها إلى نقطة الصفر.
إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ممثلة بمديرها رافايل غروسي التي تعتبر أحد الأطراف المعنية مباشرة بالاتفاق الأخير الموقع يوم الأحد الماضي (21 -22-2021) مع نظيرتها الإيرانية برئاسة مساعد رئيس الجمهورية ورئيس الوكالة علي أكبر صالحي، تتعامل مع طهران كمنظومة دولة بغض النظر عن الاختلافات الداخلية والصراع بين التيارات والمحاور وحتى السلطات.
لذلك فهي معنية بالموقف الذي تسمعه من الحكومة الرسمية التي يرأسها حسن روحاني ومعه الإدارات المختصة والمعنية بملف أزمة البرنامج النووي ومتابعة مندرجات الاتفاق الموقع مع السداسية الدولية، أي وزارة الخارجية والوكالة الإيرانية للطاقة الذرية والمجلس الأعلى للأمن القومي الذي يرأسه روحاني، بحيث يكون أي موقف يصدر عن هذه الجهات ملزماً للنظام بكل مؤسساته، الدستورية وما فوق الدستورية التي لا تسمح بخروج أي قرار يتعارض مع رؤيتها وقرارها، بخاصة تلك التي تدخل في مجال صلاحيات المرشد الأعلى التي تحصر بيده مسألة رسم السياسات الاستراتيجية والخارجية للنظام والدولة.
وعلى الرغم من “البروباغاندا” التي مارسها البرلمان الإيراني الذي يسيطر عليه التيار المتشدد يوم الاثنين 22 شباط واتهام الحكومة بتقديم تنازلات وعدم تنفيذ المادة السادسة من قانون “الخطوات الاستراتيجية لرفع العقوبات” الذي سبق أن أُقرّ في نوفمبر (تشرين لثاني) 2020، والتلويح بنقل ملف الاتفاق مع الوكالة الدولية إلى السلطة القضائية على خلفية اتهام رئيس السلطة التنفيذية حسن روحاني بالتقصير والتفريط بالحقوق الإيرانية عن طريق عدم تطبيق القوانين.
وعلى الرغم من هذه “البروباغاندا”، فإن القوى والأحزاب ومواقع القرار التي يسيطر عليها المحافظون، اعتبرت أن ما اتُّفق عليه يشكّل انتصاراً إيرانياً لأنه أثمر تطبيقاً لقانون “إلغاء العمل ببروتوكول التفتيش المباغب” بغض النظر عن مسألة الالتزام بكامل مندرجاته، خصوصاً المادة السادسة منه التي تفرض تعطيل كل كاميرات المراقبة التي وضعتها الوكالة الدولية لمراقبة الأنشطة الإيرانية في عددٍ من المواقع النووية المعلنة أو تلك المشكوك بها.
من ناحيتها، اعتبرت الحكومة والإدارة المعنية بالملف النووي، في الاتفاق مع الوكالة الدولية إنجازاً سمح لها بالتوفيق بين الالتزام بالقانون موضوع الجدل مع البرلمان وبين التزاماتها في الاتفاق النووي، بحيث يساعدها على سحب الذرائع من القوى التي ترى في الخطوات التصعيدية للنظام الإيراني خرقاً للاتفاق الموقع عام 2015.
فهي من ناحية عملت على إرضاء البرلمان ومؤسسات النظام بأنها لم تعرقل تطبيق القانون، ومن ناحية أخرى حافظت على الشعرة الأخيرة في علاقتها مع الوكالة الدولية بحيث لم تعطّل كاميرات المراقبة من دون تسليم المحتوى إلى الوكالة الدولية والاحتفاظ بأرشيفها لمدة ثلاثة أشهر، بانتظار ما ستسفر عنه الحوارات والمفاوضات التي ستجري خلال هذه المدة.
الاتفاق الذي وقّعته طهران مع الوكالة الدولية والذي وصفه وزير الخارجية محمد جواد ظريف بأنه “نصر دبلوماسي”، يكشف عن حرص الطرفين الإيراني والدولي على عدم دفع الأزمة إلى طريق مسدود.
ولعل حرص فريق روحاني على الوصول إلى هذا المخرج التوفيقي، وجد صداه في المواقف الأخيرة التي صدرت عن المرشد الأعلى للنظام، بعد التفاهم مع الوكالة، حول الآثار الإيجابية لهذا الاتفاق.
وسمح لروحاني وفريقه بتذكير نواب البرلمان بحدود دورهم وصلاحتيهم في هذا القرار الاستراتيجي من خلال التأكيد على دور المجلس الأعلى للأمن القومي الذي أُنيطت به صلاحية النظر في الاتفاق النووي، بعيداً من البرلمان الذي استبعد عام 2015 عن تفاصيل الاتفاق ونزعت منه صلاحية إقراره أو مراقبته. الأمر الذي فرض على البرلمان البحث عن مخارج للتصعيد مع الحكومة وتساعده في التراجع عن مواقفه.
الاجتماع الطارئ بين رئيسَي السلطة التنفيذية روحاني والتشريعية محمد باقر قاليباف بعد لجوء النواب لرفع شكوى إلى السلطة القضائية لمحاكمة الأول، وتكليف كل من رئيسَي لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية مجتبى ذو النوري ولجنة الطاقة فيردون عباسي عقد مباحثات مع الحكومة حول مقتضيات وأبعاد الاتفاق الجديد مع الوكالة الدولية، وما يمثلانه من رأس حربة تقود المعارضة المحافظة للاتفاق النووي، يكشف عن استشعار النظام بمدى أهمية وخطورة هذه المرحلة التي وصلت إليها أزمة الاتفاق النووي والحوار مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وأن أي خطوة تصعيدية قد تفتح الأمور على تداعيات تطيح بكل إمكانات التفاهم مستقبلاً.
ولجم التصعيد الذي يعتبر موقفاً موحداً للنظام والحكومة، إضافة إلى التأكيد على مهلة الأشهر الثلاثة في الاتفاق مع الوكالة الدولية، قد يكون الهدف منه إعطاء المساعي التي يبذلها مفوض السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل لعقد جلسة غير رسمية بين مجموعة 4+1 وإيران بمشاركة أميركية، التي تبدو أنها وضعت على نار حامية، وتكون مهمتها العمل على بلورة النتائج التي قد يتم التوصل إليها في المفاوضات غير المعلنة بين واشنطن وطهران والتي قد تؤسس إلى مرحلة من التفاهمات الجديدة حول الخلافات المتعلقة بمختلف الملفات.
وقد تأتي الإشارة على انطلاقة جدّية لهذه المفاوضات أو الحوارات غير الرسمية من كوريا الجنوبية التي ربطت مسألة إطلاق الأرصدة الإيرانية المجمدة لديها والتي تبلغ قيمتها 7 إلى 8 مليارات دولار بالموافقة الأميركية في الأيام المقبلة، فهل ستعطي واشنطن الضوء الأخضر لسيول لاتخاذ هذه الخطوة؟؟