الرئيسية / مقالات رأي / وجع أمريكي عظيم

وجع أمريكي عظيم

بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – يتعاظم الوجع الأمريكي بعد أن تجاوزت حصيلة الوفيات جراء جائحة فيروس «كورونا» 500 ألف ضحية، وقد أمر الرئيس جو بايدن، بتنكيس الأعلام فوق المباني الفيدرالية خمسة أيام للتعبير عن حجم الألم غير المسبوق، الذي أصاب الولايات المتحدة، القوة السياسية والاقتصادية والعلمية العظمى التي ألحق بها الوباء خسائر فادحة تقارب خمس ما لحق بالعالم أجمع.
لا شك أن الولايات المتحدة، بما تمتلكه من عناصر قوة وتنوع وقدرة على اجتراح الحلول، ستخرج من هذه المأساة أكثر أملاً وحكمة، وستساهم بفعالية مع المجموعة الدولية في وضع خطط لمواجهة الأوبئة في المستقبل، وهي أهل لذلك بالنظر إلى تقدمها المعرفي والتكنولوجي. فالدول الكبرى تحفزها المصائب الكبرى للدفاع عن مصالحها ودورها. ووباء «كورونا»، الذي أصاب الحياة البشرية بالوهن وكاد يدمرها، لا تقاومه حاملات الطائرات والقنابل النووية والصواريخ العابرة، بل تطوير البحث الطبي برفع الموازنات لإنتاج الأدوية واللقاحات لهذا الفيروس وغيره.
بتحليل هادئ، فإن كل الدول قد وصلت إلى قناعة بأن تأمين المصالح واستقرار المجتمعات يكونان عبر خلق بيئة صحية تأخذ في الحسبان كل الفرضيات السيئة في المستقبل. ويؤشر السباق الواسع في ابتكار اللقاحات المضادة لـ«كورونا» إلى هذا التوجه الذي سيتعزز بعد خروج العالم تدريجياً من الجائحة.
الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي عانى مآسيَ عائلية كثيرة، يعرف مرارة الفقد، وقد يجعله ذلك حريصاً على توجيه السياسات الناجعة لمحاربة الوباء، ويبدو ذلك من نواياه بإعادة واشنطن إلى منظمة الصحة العالمية ودعمه توجه مجموعتي «السبع» و«العشرين» إلى العمل على توزيع عادل للقاحات بين مختلف الأمم والشعوب، لا سيما الفقيرة منها. وليس بايدن المسؤول الأمريكي الوحيد الذي بات يؤمن بهذا التوجه، بل هناك أسماء عدة من بينها مؤسس شركة مايكروسوفت بيل جيتس، الذي سبق أن حذر من ظهور أوبئة متعلقة بالتغير المناخي وأخرى تتمثل في «الإرهاب البيولوجي»، ولا يترك فرصة دون أن يذكّر بضرورة تحسين الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم من أجل حياة أفضل للأجيال القادمة.
الوعي الأمريكي بضرورة خوض معركة طويلة المدى ضد الأوبئة يحركه الألم لفقد نصف مليون ضحية خلال عام واحد، وهو أكبر من إجمالي عدد قتلى الأمريكيين في الحربين العالميتين الأولى والثانية وحرب فيتنام، التي استغرقت مجتمعة نحو ثلاثين عاماً. ومما يؤسف له أمريكيّاً أن الحصيلة ستكبر من يوم إلى آخر دون سقف معلوم. وكلما طالت قائمة الوفيات اتسع الوجع وأصبح الوعي أكثر حدة وشدة وخصوبة. ولا تتوقف المأساة عند تفاصيل الخسائر البشرية، بل تتعداها إلى العبء الكبير على الاقتصاد، والانقسام السياسي العميق الذي كانت الجائحة واحدة من أسباب استفحاله حتى وصل الحال إلى ما هو راهن.
قدر الولايات المتحدة أن تدفع الثمن الأكبر جراء هذا الوباء، ولأنها القوة الأعظم، فبإمكان ذلك أن يدفعها إلى المساهمة في قيادة العالم إلى ما هو جدير بالإنسانية أن تعيشه في العقود المقبلة.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …