الرئيسية / مقالات رأي / الطفرة التقنية القادمة.. لقاحات وطاقة من باطن الأرض

الطفرة التقنية القادمة.. لقاحات وطاقة من باطن الأرض

By: Paul Krugman – New York Time

الشرق اليوم– قبل بضعة أشهر، أشار المحلل الاقتصادي نوح سميث إلى أن التقدم العلمي يشبه استخراج المعادن. فحين تعثر على عِرق معدني تعتقد أنه واعد، تخاطر وتستثمر فيه بقوة، وتستغله إلى أن ينفد.

ولكن المشكلة أن بضعة عروق فقط كانت مثمرة حقاً، وغيّرت حيوات الناس خلال العقود القليلة الماضية. فالاكتشافات في تكنولوجيا المعلومات كانت كبيرة بالطبع – الإنترنت والهاتف الذكي. وبفضل الاستثمارات العامة جزئياً، كان الابتكار في الطاقة النظيفة سريعاً وكبيراً. ونتيجة لذلك، انخفض سعر الوحدات الشمسية بـ99.6 في المئة منذ 1976.

غير أن الاختراقات المغيّرة للحياة باتت أقل عدداً مما كانت عليه في الماضي، وإنْ كانت ما تزال مهمة. فإذا ولدت في 1900 وتوفيت في 1970، فإنك عشت من عصر العربة التي يجرها الحصان إلى عصر إرسال إنسان إلى القمر. ورأيت الاستخدام الواسع للكهرباء، والتكييف الهوائي، والطيران، والسيارة، والبنسيلين، والكثير من الابتكارات الأخرى. أما إذا كنت قد ولدت في 1960 وعشت حتى اليوم، فإن تجربة السفر والطيران أصبحت أكثر أماناً، ولكن فيما عدا ذلك، فإن التجربة ظلت هي نفسها عموماً. كما أن مطبخك لم يعرف تغييراً عموماً، ربما في ما عدا إضافة جهاز المايكرويف.

في 2011، نشر الاقتصادي تايلور كوين كتاباً استشرافياً مهماً عنوانه «الركود العظيم»، بحث فيه أسباب تباطؤ التقدم العلمي. ومن جانبه، اشتكى رائد الأعمال «بيتر ثيل» من أننا كنا نريد سيارات تطير، فإذا بنا نحصل على «تويتر».

غير أن هذا الركود التكنولوجي ربما أخذ ينتهي الآن. ففجأة، بدأ الكثير من الأشخاص الأذكياء يكتبون عن كثير من العروق التي تبدو واعدة. وأولى هذه العروق وأكثرها وضوحا هي اللقاحات. فالحقيقة المذهلة بشأن كوفيد- 19 هي أن علماء شركة «موديرنا» صمموا أول لقاح بحلول 13 يناير 2020، وحصلوا على اللقاح حتى قبل أن يعتقد كثير من الناس أن المرض يشكّل تهديداً.

ثم إن الأمر لا يتعلق بلقاح فحسب، وإنما بنوع جديد من اللقاح أيضاً. فلقاحات mRNA ستساعد على تعليم أجسامنا محاربة الأمراض بفعالية أكبر، بل ويمكن أن تؤدي إلى تقدم في محاربة كل أنواع الأمراض. وعلى سبيل المثال، يأمل الباحثون في تطوير لقاحات mRNA ضد السرطان، لقاحات لن تقي من السرطان، ولكنها تستطيع مساعدة الجسم على محاربة بعض أشكاله.

وفي الطاقة، تخلق الاختراقات في مجال الطاقة الحرارية الأرضية الكثيرَ من مشاعر الإثارة والحماس. ومثلما أشار ديفيد روبرتس في شرح ممتاز بموقع «فوكس» الإخباري، فإن حرارة لب كوكب الأرض المنصهر تعادل نحو 5574 درجة مئوية، أي نفس حرارة الشمس تقريباً. وإذا استطعنا استغلال 0.1٪ من الطاقة الموجودة تحت سطح الأرض، فإننا نستطيع توفير إجمالي احتياجات البشرية من الطاقة لمليوني سنة.

وحالياً، يحاول المهندسون اكتشاف طرق لاستغلال الحرارة في الصخور غير المسامية الموجودة تحت السطح. ومثلما كتب روبرتس، فـ«إذا كان أنصارها الأكثر حماساً على حق، فإن الطاقة الحرارية الأرضية قد تمثّل السبيل إلى توفير كهرباء نظيفة بنسبة مئة في المئة للجميع في العالم».

هذا ناهيك عن الانشطار. ففي واحدة من تلك القصص الإخبارية التي يبدو لك أنها تبشّر بعهد جديد حين تقرأها، كتب زميلي هنري فاونتن في «نيويورك تايمز» في سبتمبر الماضي حول كيف أن باحثين من «معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا» صمموا مفاعلاً نووياً صغيراً يفترض أن يكون ناجحاً. ويذكر هنا أن لدى الصين مفاعلاً نووياً حرارياً تجريبياً يبلغ أكثر من 111 مليون درجة مئوية.

خلال العشر سنوات الماضية كان يبدو أن المركبات المستقلة باتت وشيكة، ولكنها عاجلاً أم آجلاً ستصل. والواقع أن شركة «وايمو» شرعت منذ مدة في تقديم خدمة رحلة توصيل من دون سائق في فنيكس (ولاية أريزونا) – مثل «أوبر» و«ليفت»، ولكن من دون أي شخص في المقعد الأمامي.

وعلاوة على ذلك، تقوم شركة «تويوتا»، في قطاع السيارة الكهربائية، بتطوير مركبة يمكنها قطع مسافة 500 كيلومتر، بعد شحنها لمرة واحدة، ويمكن أن تشحن من صفر إلى «كامل» في ظرف 10 دقائق.

وبإمكان المرء أن يقدم مزيداً من الأمثلة: في الذكاء الاصطناعي، وفي اكتشاف الفضاء الذي يبدو أن هناك اهتماماً متزايداً به، وفي التكنولوجيا حيث يجري حالياً بحث عدد من التكنولوجيات المقاومة للشيخوخة، والأربعاء الماضي نشرت «نيويورك تايمز» خبراً عن عقار مضاد للسمنة، بل هناك لحوم طوّرت في المختبر. لحوم نمت من خلايا حيوانات تمكننا من التمتع بشرائح اللحم وقطع الدجاج المقلي من دون ذبح أبقار ودجاج.

وبالطبع، كل هذه العروق لم تثمر، ولكن ماذا لو خلقنا بشكل تدريجي عالماً بطاقة رخيصة ونظيفة، وسيارات من دون سائق، وسنوات أكثر إنتاجية وطاقة في حياتنا؟

على الجانب الإيجابي، سترتفع الإنتاجية العالمية. والواقع أن ما يسميها الاقتصاديون «الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج» تزداد بوتيرة مطردة بزيادات من 0 إلى 2% لسنوات، غير أن سلسلة من الاختراقات تستطيع أن تبقي على الإنتاجية مرتفعة. وحينها، سيبدو اقتصادنا، وعالمنا، مختلفين جداً.

أما على الجانب السلبي، فإن التداعيات ستكون كبيرة جداً أيضاً. فماذا سيحدث لكل أولئك السائقين؟ وماذا سيحدث للأشخاص الذين يعملون في المزارع في حال أخذت المختبرات حصة مهمة من السوق؟ ثم إن الصعوبات السياسية ستزداد تعقيداً، لأن الأشخاص الذين سيستفيدون من قطاعات التكنولوجيا العالية يميلون عموماً للعيش في الأجزاء الزرقاء (الديمقراطية) ذات التعليم العالي من البلاد، في حين يميل عمال القطاع الصناعي القديم الذين سيفقدون وظائفهم للعيش في الأجزاء الحمراء (الجمهورية) الأقل تعلماً.

وهكذا، سنجد أنفسنا في وضع صعب، وضع التغير السريع. ذلك أن الاقتصاد سينمو بسرعة أكبر، ولكن ملايين الأشخاص سيجدون صعوبة في إيجاد مكان فيه. وسيصبح موضوع «دخل أساسي عام» موضوعاً مثيراً للجدل من جديد.

الحق أن الاستثمار الحكومي حفّز الكثير من هذا التقدم، وسيتعين على الحكومة اجتراح طرق قوية لتخفيف الصدمات، غير أن مواجهة تحديات الدينامية أفضل من مواجهة تحديات الجمود والركود. فالحياة ستصبح أطول وصحية أكثر، والطاقة أنظف وأرخص، وسيكون هناك إحساس أكبر بالتقدم والاندهاش.

في أسبوع طغت عليه الأخبار السياسية القاتمة، فكرتُ في أنك قد ترغب في بعض الأخبار السارة.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …