بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم- ثلاثون عاماً مرت والصومال يتقلب على جمر الأزمات المتلاحقة واستعصاء الحلول والفرص الضائعة. فالصراع السياسي – القبلي، بات مستحكماً وطارداً للتسويات التي لا يكاد يجف حبرها حتى تسقط، بينما الجهاديون، وأبرزهم “حركة الشباب” المبايعة لتنظيم “القاعدة”، وحدهم يثبّتون أقدامهم وسط استمرار الفوضى والفشل في التوصل إلى حد أدنى من التوافق بين القوى السياسية، في بلد راح ضحية موقعه الاستراتيجي وضحية الصراع الإقليمي والدولي.
عودة التوتر السياسي والأمني إلى مقديشو هذه المرة، كان الباعث إليها الإخفاق في إجراء أول انتخابات في الصومال منذ اندلاع حروبه الأهلية عام 1991، علماً أن الصومال عرف آخر انتخابات حرة عام 1969، وبعدها استولى سياد بري على الحكم في انقلاب عسكري وأقام حكماً ديكتاتورياً حتى إطاحته عام 1991.
لكن التأخير في التحضير للانتخابات وتصاعد هجمات “حركة الشباب”، فرضا اللجوء إلى إجراء الاقتراع بطريقة غير مباشرة. وكان يفترض بزعماء القبائل أن يختاروا ممثلين عنهم في كانون الأول (ديسمبر)، على أن يجتمع هؤلاء لاختيار رئيس جديد خلفاً لمحمد عبد الله محمد الملقب “فرماجو”، الذي انتهت ولايته في 8 شباط (فبراير).
لكن اختيار الممثلين تأخر، بعدما اتهمت المعارضة فرماجو بالسعي إلى تجديد ولايته، من طريق حشد المجالس الانتخابية المحلية والوطنية إلى جانبه. ولذلك، أعلن زعماء إقليمي بونتلاند وجوبالاند، بأنهم لن يعترفوا بعد الآن به، رئيساً. وكان من المقرر أن يجتمع فرماجو مع زعماء المناطق الأسبوع الماضي، في مسعى أخير للتوصل إلى حل. لكن الاجتماع لم ينعقد.
وعندما خرجت تظاهرة للمعارضة في مقديشو الأسبوع الماضي للمطالبة بالمضي في اختيار خلف لفرماجو وعدم التجديد له، أطلق الرصاص على المتظاهرين، لتعود معها أجواء التوتر السياسي، وتالياً تقاذف المسؤوليات عمن بادر إلى إطلاق النار.
وتتلخص المعضلة الآن في رفض فرماجو مغادرة القصر الرئاسي، ما لم يتم الاتفاق على انتخاب خلف له. وفي المقابل، تقول المعارضة إن فرماجو يتعمد عرقلة اختيار رئيس جديد كي يبقى في السلطة، وأنه يمارس ابتزازاً سياسياً مكشوفاً، كي يحمل الأطراف الصوماليين الآخرين على الموافقة على التجديد له لولاية رئاسية من أربعة أعوام.
المأزق السياسي الحالي في الصومال يهدد مجدداً بضياع التقدم الذي حصل في الأعوام الأخيرة على طريق بناء هياكل لمؤسسات دستورية دائمة في البلاد، بعد عقدين أو أكثر من اعتماد الصيغ الموقتة.
وإذا ما أضيف الفراغ الرئاسي الحاصل الآن إلى الفراغ على صعيد مجلس النواب الذي انتهت ولايته عام 2020، يكون الصومال أمام أزمة دستورية – سياسية جديدة، بينما يضغط وباء كورونا على حياة الصوماليين، المهددين بتفاقم المجاعة نتيجة زحف موجات جديدة من الجراد على محاصيلهم الزراعية.
وأتت الأزمة قبل استحقاق مهم هذه السنة، يتمثل في انتهاء انتداب قوة السلام الإفريقية “أميسوم” وتسليم مهام حفظ الأمن والنظام إلى القوات المسلحة الصومالية، التي تولّت تدريبها القوات الأمريكية. لكن الحوادث الأخيرة، قد تقف عقبة أمام تنفيذ هذا الاستحقاق.
ووسط فزع الأسرة الدولية، من تجدد النزاع الأهلي، أضاع الأطراف الصوماليون فرصة أخرى لإرساء الاستقرار السياسي، الذي كان من شأنه أن يخفف من اعتماد الصومال على الخارج في تسيير شؤونه.
والأخطر من ذلك، أن الفراغ السياسي يوفر البيئة المثالية لعودة “حركة الشباب” كي تسيطر على مقديشو ومدن رئيسية أخرى، بينما تتزايد هجماتها على كينيا المجاورة. ومعلوم أن فرماجو قطع العلاقات مع كينيا العام الماضي، بعدما اتهم نيروبي بمساندة إقليم جوبالاند الصومالي المجاور لكينيا.
وليس الصومال وحده مرشحاً لتجدد النزاع الأهلي فيه، بل إن التطورات الحدودية أيضاً بين إثيوبيا والسودان، تنذر باندلاع صراع آخر في القرن الإفريقي.