بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم – “التّعددية”، هي الكلمة السحرية التي تطرب لها آذان الأوروبيين هذه الأيام عندما يكررها على مسامعهم الرئيس الأميركي جو بايدن، منذ تسلّمه مهامه قبل أكثر من شهر.
ويرى قادة الاتحاد الأوروبي أن التعددية التي يتحدث عنها بايدن، هي نقيض شعار “أميركا أولاً” الذي رفع لواءه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، خلال رئاسته. وأسفرت تلك السياسة عن شرخ لا سابق له في العلاقات عبر ضفتي الأطلسي.
مدركاً الحساسية التي تسبّبت بها سياسة ترامب لدى الحلفاء قبل الخصوم، قال بايدن أمام مؤتمر ميونيخ للأمن الجمعة: “أتحدث إليكم اليوم كرئيس للولايات المتحدة، في بداية إدارتي، وأبعث برسالة واضحة إلى العالم: الولايات المتحدة عادت، لقد عاد التحالف العابر للأطلسي”. وأضاف أن “الولايات المتحدة مصممة وعازمة على إعادة التعامل مع أوروبا والتشاور معكم واستعادة مكانتنا المتمثلة في القيادة الموثوقة”. وأكّد أن إدارته عازمة مجدداً على بناء التحالفات، على عكس سياسات ترامب، التي لم تتردد في النظر إلى الحلفاء بوصفهم منافسين اقتصاديين لأميركا.
قد يكون من المبكر الحكم على ما ستذهب إليه سياسات بايدن في تهدئة الهواجس التي نمت لدى الأوروبيين في سنوات ترامب الذي فرض تعرفات جمركية على الكثير من الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة، مهدداً بإشعال حرب تجارية مع القارة لا تقل ضراوة عن حربه التجارية التي أطلقها ضد الصين من “أجل استرجاع عظمة أميركا”.
بعد الكلام، ينتظر الأوروبيون أفعالاً من بايدن. لا شك في أن أولى قرارات الرئيس الديموقراطي بإعادة الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس للمناخ، والعودة إلى منظمة الصحة العالمية، والتراجع عن قرار كان قد اتخذه ترامب بخفض عديد القوات الأميركية في ألمانيا، واللهجة الحازمة عند الحديث عن “العدائية” الروسية، تلقى ارتياحاً لدى زعامات الاتحاد الأوروبي. لكنهم لا يزالون في انتظار القرار الأهم، ألا وهو التراجع عن فرض التعرفات الجمركية التي فرضها ترامب على المنتجات الأوروبية المصدرة إلى الضفة الأخرى من الأطلسي. وكان الممثل التجاري المنتهية ولايته روبرت لايتهايزر، قد أوصى بايدن بالتمهل في اتخاذ قرار بالتراجع عن التعرفات الجمركية عن الصين.. وأوروبا أيضاً.
وفي وقت تلقي جائحة كورونا بثقلها على الاقتصاد العالمي، ينتظر الأوروبيون قراراً في شأن التعرفات الجمركية، من أجل تنشيط اقتصاداتهم، وامتلاك القدرة على التكيف مع مفاعيل الإغلاق التي أدى إليها الوباء.
ونقطة مهمة أخرى قد تشكل قلقاً لدى الأوروبيين، عندما يقول بايدن إن أميركا عادت لتقود العالم في مواجهة التحديات التي يواجهها، من الوباء إلى النزاعات الدولية، وما أكثرها. فأوروبا المتلهفة إلى العودة الأميركية، تريد أيضاً ضمان أن لا تلجأ الولايات المتحدة إلى فرض رؤيتها على الحلفاء وأن يكون المطلوب من هؤلاء فقط السير وفق هذه الرؤية. أي الانتقال من معادلة ترامب في نبذ الحلفاء إلى معادلة جديدة تقوم على الالتحاق بأميركا.
الأوروبيون يريدون عودة أميركية قائمة على النقاش والحوار وعلى أخذ هواجس القارة في الحسبان عندما يحين وقت اتخاذ القرار. مثلاً، صحيح أن الأوروبيين غير مولعين بالحروب في الخارج، لكنهم يرون أن أميركا استعجلت قرارات الانسحاب من أفغانستان والعراق وسوريا، وأنها لا تقوم بدور كافِ في التصدي للإرهاب في أفريقيا، لا سيما في منطقة الساحل التي تزدحم بالتنظيمات الجهادية. كما أنهم يريدون الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران مع إدخال تعديلات عليه من دون شك، ووقفوا ضد الانسحاب الأميركي من الاتفاق قبل عامين وضد حملة “الضغط الأقصى” التي مارسها ترامب، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى انهيار الاتفاق، وعدم توافر البديل. كما أنهم يطالبون بدور أميركي أكبر في الأزمة الليبية. ويتطلعون إلى مبادرة تنقذ “حل الدولتين” في فلسطين. وفعلاً هم يريدون حزماً أكبر مع روسيا والصين، لكن من دون أن يؤدي إلى إشعال حرب باردة جديدة.
نعم، تنفّس الأوروبيون الصعداء مع خروج ترامب من البيت الأبيض، لكنهم ينتظرون من بايدن سياسة تشاركية في القرار، أكثر من العودة إلى القيادة فحسب. وبرغم الترحيب بكسر انعزالية ترامب، فإن الكثير من القادة الأوروبيين يرنون إلى أميركا تشاركهم القلق حيال تحديات العالم، لكن مع الأخذ في الاعتبار استقلالية أوروبية تترسخ أكثر فأكثر في الخطاب السياسي للعديد من زعماء القارة، لا سيما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
ومع ذلك، هناك فرصة حقيقية لترميم العلاقات بين ضفتي الأطلسي وإصلاح ما أفسدته سنوات ترامب في هذا المجال.