By: Christian Davenport, Joel Achenbach, and Ben Goreno
الشرق اليوم- مهمة هبوط مركبة «بيرسيفيرانس» (المثابرة) على كوكب المريخ هي أصعب محاولة تكنولوجية للبشر، والمركبة الفضائية التي تحمل المسبار والتي انطلقت من الأرض في نهاية يوليو الماضي، وصلت يوم الخميس 19 فبراير داخل حفرة تسمى «جيزيرو» على سطح الكوكب الأحمر.
وحققت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) هدف الوصول إلى موقع الهبوط الذي باتساع 4.8 ميل بعد رحلة 300 مليون ميل. وهذه واحدة من أهم مناورات «ناسا» وأول مهمة تتكلف مليارات الدولارات إلى المريخ في تسع سنوات، وتمثل المرحلة المبدئية من حملة من ثلاث مهام تبتغي في نهاية المطاف العودة بعينات من تربة المريخ إلى الأرض. ووصل المسبار بعد أيام فحسب من وصول مركبتي فضاء «روبوتيتين» أطلقتهما الصين والإمارات العربية المتحدة إلى المريخ ودورانهما في مدار الكوكب.
وسيقوم مسبار «بيرسيفيرانس» بأكثر من استكشاف السطح، بل سيختبر أيضاً التكنولوجيات التي ربما يستخدمها ذات يوم رواد الفضاء، وتتضمن نظاماً لتحويل ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى أوكسجين. وتصف «ناسا» الهدف من الرحلة بأنها مهمة فضائية بيولوجية. فالمسبار به أدوات قد تستكشف التركيبات التي تتألف منها الحياة القديمة على الكوكب الأحمر. أو قد تكتشف هذه المعدات أشياء لا تشير ولو من بعيد إلى الحياة. وتريد ناسا العودة بعينات من تربة المريخ لدراستها في المعامل، أملاً في الإجابة على أسئلة أساسية عن الحياة في النظام الشمسي وما يتجاوزه. والعثور على بيانات أخرى عن علامات عن الحياة سيكون واحداً من أكبر الاكتشافات في تاريخ العلم.
وعملية دخول غلاف الكوكب والهبوط على سطحه هي أصعب جزء من المهمة. وتطلبت العملية درعاً واقيةً من الحرارة ومظلة ودوافع صواريخ ورافعة فضائية، تنزل المسبار على السطح في نهاية المطاف. وتعين أن تعمل كل هذه الأمور بدقة فائقة وذاتياً بشكل تام.
وقبل نجاح عملية الهبوط، قال «مات والاس»، نائب مدير مشروع مهمة مسبار بيرسيفيرانس: «النجاح يعتمد على عمل كل شيء بشكل صحيح في أجزاء من الثانية. ولا رجوع أو إعادة محاولة».
والبشر يستكشفون المريخ عن طريق الروبوتات منذ أكثر من نصف قرن وفشل نصف الرحلات تقريباً، فقد اختفت مركبات فضائية ببساطة. لكن ناسا تعيش نجاحات مسابيرها في السنوات القليلة الماضية. أولاً، مع مسبار «سبيرت آند أوبورتيونيتي» الذي هبط عام 2004، ثم مع مسبار «كيريوسيتي» الذي هبط بسلاسة عام 2012. وهبوط المسبار هذه المرة مختلف من ناحيتين. أولاً، يتضمن الأمر عدداً أكبر من الكاميرات. وسيتمتع المهندسون بزوايا متعددة – مع فترة تأخر تبلغ 11 دقيقة تستغرفها رحلة الإشارات إلى الأرض بسرعة الضوء – لما سيراه المسبار بعد هبوطه على المريخ. والثاني، هو أن الهدف أصعب بكثير. فقد هبط «كيريوسيتي» عام 2012 على أرض مستوية تعادل مساحة توقف سيارات شاغرة واسعة، بينما هبط «بيرسيفيرانس» داخل حفرة «جيزيرو» وهي حوض باتساع 30 ميلاً به صخور وأخاديد ومنحدرات. والأكثر إغراء هو وجود بقايا «دلتا نهر» به رواسب يأمل العلماء أن تتضمن أدلة على وجود حياة في الماضي على المريخ. وهذا هدف عظيم من المنظور العلمي.
وتستخدم المركبة نظاماً جديداً مزوداً بالذكاء الاصطناعي ذاتي اتخاذ القرار. وإذا عمل النظام بشكل جيد، فإنه سيمنع المركبة من الغوص في الرمال أو التعلق فوق منحدر صخري أو الانقلاب رأساً على عقب. فالمركبة الروبوتية مزودة بالمعلومات والقدرة على التصرف. ويجري إرشاد «بيرسيفيرانس» بصور التقطها قمر ناسا الاصطناعي وهو «طواف استطلاع المريخ». ونظام الملاحة يبدأ عمله مع وجود المركبة فوق السطح بنحو 2.6 ميل. وتلتقط كاميرا بالأبيض والأسود الصور وسيجري مقارنة الصور مع مجموعة من الخرائط محملة على نظام بيرسيفيرانس. والأماكن الآمنة محددة على خريطة للقمر الاصطناعي محملة سلفاً على النظام.
واختبرت «ناسا» جزءاً من نظام الكاميرات بطائرة هيلكوبتر تحلق فوق «وادي الموت» في ولاية كاليفورنيا الذي يشبه نوعاً ما منطقة الهبوط على سطح المريخ. وهذه هي المرة الأولى التي ستستخدم فيها ناسا هذه الأداة على كوكب آخر.
واستخدمت المركبة درعاً ضد الحرارة المرتفعة عند اختراق الطبقة العليا من الغلاف الجوي للمريخ. وتم التخلص من الدرع وقبل ذلك ألقت المركبة مظلة لابد أن تفتح في أقل من ثانية. ولا يوجد مظلة بديلة. لا يوجد درع واقٍ من الحرارة بديل. ولا يوجد محرك بديل للنزول ولا رافعة بديلة ولا مسبار بديل.
وتبدأ مراحلة المهمة العلمية بمجرد تحقيق المهندسين هدفهم الأول في إنزال «سيارة» على المريخ. وتم اختيار حفرة «جيزيرو» كموقع للهبوط لأن «دلتا النهر» الجاف ناتئة في الحفرة. وهذه التضاريس تمثل سجلاً لحقبة كان المريخ فيها أكثر دفئاً ورطوبة، وكانت المياه تجري على سطحه. والعلماء يريدون أن يجول المسبار في التضاريس الوعرة، ويخرج في نهاية المطاف من الحفرة ليلقي نظرة من الحافة وهي رحلة تبلغ 15 ميلاً. وكل هذا في سبيل المشروع الأكثر طموحاً، المتمثل في الحصول على عينات من المريخ للعودة بها إلى الأرض.
ويحمل «المسبار» أنابيب للحصول على عينات من صخور المريخ وتربته. وتأمل «ناسا» في القيام بمهمة ثانية لجمع عينات ونقلها إلى المدار، ثم مهمة ثالثة لنقل هذه العينات إلى الأرض لدراستها في المعامل. ولم يجر إجازة المهمتين الأخيرتين بعد. وتعتزم ناسا أن يخزن المسبار أجزاء من رواسب الدلتا، وأيضاً من السيليكا الجافة التي يمكن أن تحتفظ على الأرض بعلامات على حياة ميكروسكوبية قديمة.
وبعد نجاح الهبوط، يطلق المسبار طائرة هيلكوبتر ذاتية القيادة، ربما في الربيع. والطائرة يطلق عليها «انجنيوتي» (عبقرية) وهي في حجم كلب من نوع «شيواوا». وإذا ارتفعت المروحية عن السطح، ستصبح «انجنيويتي» أول مركبة تحلق على كوكب آخر.
ومازالت قائمة الدول التي نجحت في إنزال مسبار يقوم بعمله لفترة طويلة على المريخ لا تتضمن إلا الولايات المتحدة. لكن هذا قد يتغير قريباً. فهناك مركبتان أحدهما من الإمارات العربية المتحدة والأخرى من الصين يحومان في مدار المريخ. فقد وصل مسبار الأمل الإماراتي يوم التاسع من فبراير ووصل مسبار تيانوين-1 الصيني في اليوم التالي. والمهمتان هما الأولى لكلا البلدين في غمرة تصاعد لبرامج الفضاء في البلدين، أملاً في أن تصبحا قوى في سباق الفضاء الذي طالما هيمنت عليه الولايات المتحدة.
وتم تدشين مشروع مسبار الأمل الإماراتي العام الماضي، وسيدرس المسبار الغلاف الجوي للمريخ ولن يحاول المسبار الهبوط على الكوكب. وهذه تمثل خطوة كبيرة لوكالة الفضاء الإماراتية التي تشترك في مهمتها مع علماء من جامعة كولورادو في معمل بدولدر لفيزياء الفضاء والغلاف الجوي.
وسجل ناسا استثنائي، فمن بين ثمانية محاولات لم تفشل إلا واحدة في عام 1999. بينما فشلت وكالة الفضاء الأوروبية في المرتين اللتين قامت بهما بالمحاولة. وروسيا لم تحقق أي نجاح في ثلاث مهمات، رغم أنه في عام 1971، هبطت المركبة السوفييتية مارس-3 على سطح المريخ ونقلت بيانات لبضع ثوان قبل أن تتوقف عن الإرسال.
لكن الصين اكتسبت مهارة في نزول المركبات الفضائية على الأجرام السماوية البعيدة. ففي السنوات القليلة الماضية، هبطت الصين بثلاث مركبات فضائية على القمر، إحداهما على الجانب البعيد وهو ما لم يحدث من قبل. وتعتزم الصين تدشين أول نماذج لمحطة فضاء جديدة هذا العام. وتيانوين-1 هي أول مهمة صينية إلى المريخ وتتألف من مركبة فضائية ستظل حول مدار الكوكب الأحمر ومسبار سيهبط في الشهور المقبلة. والمسبار مزود برادار سيبحث عن جيوب مياه تحت السطح.