بقلم: د. علي بن حمد الخشيبان – صحيفة “الرياض” السعودية
الشرق اليوم – في الثالث من يناير من العام 2020، قتلت القوات الأميركية قاسم سليماني، بعد عدة اتهامات أميركية بأنه يقف خلف الكثير من الأعمال الإرهابية والتدخلات غير المشروعة في الدول العربية والهجمات الإرهابية على مصافي النفط السعودية.
نشرت إحدى المجلات الأميركية المشهورة دراسة علمية رصدت فيها الخط الزمني للعلاقات الأميركية الإيرانية عبر أحداث مفصلية خلال السبعة والستين عاماً الماضية، حيث بدأت معالم هذه العلاقة في العام 1953، عندما عملت الاستخبارات الأميركية والبريطانية على إسقاط رئيس الوزراء المنتخب في ذلك الوقت محمد مصدق، حيث ساهم ذلك الانقلاب بمجيء شاه إيران محمد رضا بهلوي، وكانت أميركا تعلم ميوله الغربية ورغبته في التخلص من أي مؤشرات يمكنها أن تجعل للاتحاد السوفيتي آنذاك موطئ قدم في إيران، بعد ذلك بعام في العام 1954، وقع شاه إيران اتفاقا يمنح الشركات الغربية في كل من أميركا وبريطانيا وفرنسا ملكية أربعين بالمئة من النفط الإيراني لمدة ربع قرن.
في الخامس من شهر مارس من العام 1957، وقعت الولايات المتحدة أول اتفاق نووي سلمي مع إيران، وتكفلت أميركا بدعم برنامج إيران النووي حيث وقع الاتفاق الرئيس الأمريكي الأسبق ايزنهاور، في العام 1960، قدمت إيران خدمات كبرى لحليفتها أميركا رداً على إنشاء منظمة أوبك وجعلت النفط الإيراني متاحا بكميات تجارية، في العام 1972، زار الرئيس الأميركي نيكسون إيران، وفي طريق عودته وعد الإيرانيين أن بإمكانهم شراء السلاح الذي يريدونه من أميركا عدا السلاح النووي، امتناناً للشاه على موقفه الصارم تجاه الاتحاد السوفيتي، ما بين العامين 1992 – 1996، وخلال عهد الرئيسين كلينتون وجورج بوش الابن فرضت أميركا عقوبات طالت الحظر على بيع النفط الإيراني والحد من تجارة الشركات الأميركية في إيران.
في العام 1998، التقت وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت، مع وكيل وزارة الخارجية الإيرانية وهو أول لقاء دبلوماسي بعد الثورة الإيرانية، وقدمت فيه أميركا اعتذارها عن الإطاحة بمحمد مصدق رئيس الوزراء قبل عهد الشاه وكذلك قدمت الاعتذار عن العقوبات الأميركية فيما بعد الثورة الإيرانية، في العام 2001، تعاونت الولايات المتحدة الأميركية مع إيران ووقعت -اتفاقية بون- التي تدعو إلى هزيمة “طالبان” وإعادة اللاجئين الأفغان وإعادة بناء الدولة الأفغانية، في العام 2002، انقلب الرئيس جورج بوش الابن على إيران واصفاً إياها أنها ضمن دول محور الشر وأنها تسعى إلى امتلاك أسلحة دمار شامل، في العام 2003، غزت الولايات المتحدة العراق وقدمته على طبق من ذهب لإيران التي يمكن وصفها أنها هي المنتصر الوحيد في حرب أميركا على العراق، وتعتبر هذه المرحلة محل تساؤل كبير حول نوايا أميركا في المنطقة بينما يقول آخرون إن من طبيعة أميركا السياسية أنها لا تصل إلى الحلول الصحيحة في سياستها إلا بعد عدة أخطاء إستراتيجية.
ما بين العامين 2006 – 2007، بدأت إيران في تحدي النظام الدولي من أجل برنامجها النووي الذي قال رئيس حكومتها آنذاك أحمدي نجاد: إن إيران لن تستجيب لأي دعوات تطلب منها للتوقف عن برنامجها النووي وأنها سوف تستمر في برنامجها النووي لأغراض مدنية، كما ادعى بذلك رئيس حكومتها أحمدي نجاد.
في العام 2013، دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما نظيرة الإيراني حسن روحاني لمناقشة برنامج إيران النووي، وبعد عامين، وتحديداً في الشهر السابع من العام 2015م وقعت دول الخمسة زائد واحد خطة العمل المشتركة مع إيران الخاصة بسلاحها النووي.
في مايو 2018، تم إلغاء خطة العمل المشتركة مع إيران، وقد وقع الرئيس الأميركي ترامب إلغاء الاتفاق أمام وسائل الإعلام العالمية ونشر ذلك على حسابه في تويتر، في الثالث من يناير من العام 2020، قتلت القوات الأميركية قاسم سليماني بعد عدة اتهامات أميركية بأنه يقف خلف الكثير من الأعمال الإرهابية والتدخلات غير المشروعة في الدول العربية والهجمات الإرهابية على مصافي النفط السعودية، ويعتبر مقتل سليماني أقسى الرسائل الأميركية لإيران وأكثرها تأثيرا على المشروع السياسي الإيراني برمته.
عبر سبعة عقود استعرضت هذه الدراسة العلاقات الأميركية الإيرانية التي مرت بالكثير من التقلبات التي أفرزت حقائق سياسية لا بد من الوقوف عليها، وهنا يمكننا أن نتذكر عبارة -للكاردينال مازارين- في كتابه دليل الرجل السياسي عندما قال “ما نقوله دون أن نؤمن به يمكن أن ننساه بسرعة”، وهذه العبارة يمكنها أن تنطبق بحذافيرها على أميركا التي تقول للعالم عن برنامج إيران النووي ما لا تؤمن به تجاه ذلك البرنامج، فهي تقبله مرة وترفضه مرة، وهكذا هي في تعاملها مع إيران حتى عندما ألغى ترمب اتفاق باراك أوباما كان يبحث عن اتفاق آخر وليس الخلاص من برنامج إيران النووي.. السؤال النهائي اليوم يقول: عن ماذا يبحث بايدن في برنامج إيران النووي؛ اتفاق أم رفض؟