بقلم: عائشة المري – صحيفة الاتحاد الإماراتية
الشرق اليوم- تحاول إيران رفع سقف المساومة مع الرئيس الأميركي جو بايدن، تمهيداً لإجراء مفاوضات قد يتم من خلالها الوصول إلى تفاهمات حول آليات عودة واشنطن للاتفاق النووي، إذ تصاعدت حدة الخطاب السياسي الإيراني بعد استلام بايدن مقاليد الإدارة الأميركية، تزامناً مع خطوات عملية تصعيدية بزيادة إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة واليورانيوم المعدني. كما أعلنت طهران أن 23 فبراير هو الموعد النهائي لوقف الالتزام بالبروتوكول الإضافي للاتفاق النووي، وهو البروتوكول الذي وقعته في 2003 ويتيح وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمنشآتها النووية. وفي مقابل الخطوات التصعيدية الإيرانية، اتخذت إدارة الرئيس بايدن ثلاث خطوات للتهدئة تجاه إيران، أبرزها الاستعداد للمشاركة في محادثات يرعاها الاتحاد الأوروبي لإحياء الاتفاق المبرم في فيينا عام 2015، بعد اتخاذها خطوة أخرى بتخفيف القيود المفروضة على تنقلات الدبلوماسيين الإيرانيين في نيويورك، وكذلك إبطال إجراء عقابي كان قد اتخذه ضدها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وذلك بإقرار الولايات المتحدة رسمياً أمام مجلس الأمن بأن العقوبات الأممية التي رفعت بموجب الاتفاق النووي ما تزال مرفوعةً.
وتواجه طهران أزمة اقتصادية حادة نتيجة للعقوبات الأميركية المفروضة عليها منذ فترة طويلة، وهي أزمة فاقمتها جائحة كورونا. لذلك لا تبدو الأوضاع الداخلية في إيران مهيئةً لتقديم تنزلات لواشنطن، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 18 يونيو القادم، وتصاعد ضغوط الدوائر المقربة من الحرس الثوري والتي تعارض التفاوض مع واشنطن في ظل دعوات الانتقام لمقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ولمقتل العالم النووي الإيراني محسن فخري. لكن من الواضح أن إيران مستعدة للانخراط في تفاهمات جديدة مع إدارة بايدن، وتسعى للتفاوض بعقلية التاجر الفارسي، إذ تحاول تعزيز موقعها التفاوضي ورفع سقف المساومة للحصول على أكبر قدر من المكاسب في مقابل تقديمها لأقل قدر من التنازلات. كما تحاول إيران في ذات الوقت البناء على نموذج المفاوضات مع الإدارات السابقة، في ضوء ما اكتسبته من خبرة في التفاوض والتفاهم حول الملفات الخلافية. وتتبني طهران أسلوب التصعيد أحياناً والتهدئة أحيانا أخرى، مع مواصلة أسلوبها المفضل في لعبة الأدوار بتوجيه الرسائل للخارج عن طريق التصريحات النارية والتصعيد في الملفات الإقليمية من خلال أذنابها في المنطقة العربية، خاصة في العراق وسوريا واليمن ولبنان، واستعراض القدرات العسكرية والصاروخية. كل تلك التحركات الإيرانية، ولتكرارها، أصبحت مكشوفة للمتابع عبر السنوات الماضية. وكلما زادت حدة التصعيد في الخطابات والملفات الإقليمية، ظهر السعي الإيراني للتخلص من العقوبات والوصول إلى تفاهمات مع واشنطن. وقد أكد على ذلك محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، في تغريدة له جاء فيها أنه «التزاماً بـ(قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، ترفع الولايات المتحدة بشكل غير مشروط كل العقوبات التي فرضت أو أعيد فرضها أو أعيدت تسميتها من قبل ترامب، عندها سنعكس فوراً كل الإجراءات التعويضية التي اتخذناها». ولم يتطرق ظريف مباشرةً إلى الطرح في شأن إجراء محادثات.
وحتى الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة ستمارس طهران استراتيجية الضغوط القصوى بشكل مضاد على واشنطن للحصول على أكبر قدر من التنازلات الأميركية، فالتصريحات الحادة والممانعة من المسؤولين الإيرانيين تندرج ضمن استراتيجية استعراض القوة فقط، وصولاً إلى إجراء مفاوضات مع واشنطن فقط حول كيفية عودتها إلى الاتفاق النووي دون تقديم تنازلات إيرانية، أو التطرق إلى الملفات الخلافية في المرحلة الراهنة.