بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- هيمنت قضية الأمن العالمي، كما هي العادة، على مؤتمر الأمن في ميونيخ، الذي انعقد افتراضياً هذا العام بسبب جائحة كورونا، بمشاركة العديد من زعماء وقادة العالم، لكن ربما اتخذت هذه الهيمنة في الظروف الراهنة منحى مختلفاً بسبب الحاجة الملحة لإعادة إرساء أسس وقواعد جديدة للأمن الدولي المشترك بعد أربع سنوات من الحقبة الترامبية التي وضعت العالم على شفير المواجهة.
من البديهي القول أن العالم لم يعد قادراً على تحمل المزيد الإنقسامات والحروب الباردة، كما حدث خلال الفترة الممتدة بعد الحرب العالمية الثانية وحتى انهيار الاتحاد السوفييتي، حين انقسم العالم الى معسكرين غربي وشرقي أو رأسمالي واشتراكي، ما أدى إلى حالة من السباق المخيف للتسلح وظهور توازن الرعب النووي في نهاية المطاف.
اليوم تقتضي حاجة البشرية الماسة إلى البقاء على هذا الكوكب، وحدة الأمن الدولي وإطفاء بؤر الصراعات في العالم، أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً في ظل جائحة كورونا التي حصدت ولا تزال ملايين الأرواح وعشرات ملايين الإصابات. ولعل أخطر ما يمكن أن تواجهه الكرة الأرضية هو انقسامها إلى كتلتين اقتصاديتين هائلتين، وان يتحول الانقسام التكنولوجي والاقتصادي إلى الجيوسياسي والعسكري، كما يقول أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش.
صحيح أن الحقبة الترامية دفعت الولايات المتحدة إلى الانعزال والتخلي عن معظم التزاماتها الدولية، وأضعفت أمن حلفائها الأوروبيين وكادت أن تدفن حلف “الناتو” في ملفات التاريخ ليلحق بسلفه حلف “وارسو”، والأسوأ أنها فاقمت المشكلات العالمية بدلا من أن تحلها، إلا أن هذه الحقبة انتهت، وبدأت ملامح حقبة جديدة تلوح في الأفق، وتبحث عن الشراكة والتعاون لكن معالمها الحقيقية لم تتبلور بعد، في ظل الكثير من الشكوك استناداً إلى التجارب السابقة، وبسبب التنافس الحاد بين أقوى اقتصادات العالم والصراع المحتدم على قيادة الساحة الدولية. إذ بينما تريد الولايات المتحدة تصحيح العلاقات مع حلفائها الأوروبيين وتقوية حلف “الناتو” والتفرغ لمواجهة الصين وروسيا اقتصادياً وسياسياً بعيداً عن سياسة حافة الهاوية، فإن أوروبا التي ترحب بعودة الولايات المتحدة والباحثة عن هويتها، دون شك، تريد أن يتحمل الأوروبيون مزيدا من المسؤولية عن أمنهم، وألا يتكلوا على حماية أمريكية كاملة للأمن الأوروبي، كما كان يحدث قبل حقبة ترامب.
كما يريد الأوروبيون توضيح الدور والسياسة الأمنية لحلف “الناتو” انطلاقا من أنه بات يحتاج إلى زخم سياسي جديد. ويذهب الأوروبيون إلى أبعد من ذلك بالدعوة إلى الحوار مع روسيا، ضمن شروط ومطالب معينة، لإعادة بناء الأمن العالمي على أسس جديدة، أو إعادة هيكلة الأمن العالمي، كما يقترح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، انطلاقا من أن الأمن الدولي كل لا يتجزأ ومسؤولية مشتركة، وأن السلام الأوروبي والعالمي عموماً يحتاج إلى أن تشمل الهيكلة الجديدة روسيا وكذلك الصين، لكي يمكن الحديث عن نهج آخر يقوم على الشراكة الأمنية والتعاون في حل المشكلات الدولية و إطفاء بؤر الصراعات المشتعلة في العالم .