الشرق اليوم – مع وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض وتصاعد الضغوط عليه كي يتعامل بصرامة مع روسيا والصين، هل ستضعف صلابة الشراكة الصينية الروسية أم تزيد قوتها؟
يعتبر عدد كبير من صانعي السياسة والمحللين في الغرب أن العلاقة الصينية الروسية تطغى عليها الضغوط الأميركية التي يتعرض لها هذان البلدان، فوفق هذا المنطق كان يُفترض أن نتوقع تسارع التعاون الصيني الروسي منذ أن وضعت واشنطن الصين وروسيا في مصاف «المنافسين الاستراتيجيين» في «استراتيجية الأمن القومي» لعام 2017، ومنذ أن حذرت «استراتيجية الأمن القومي» في عام 2018 من احتمال أن تضطر الولايات المتحدة لخوض الحرب على جبهتَين.
أدى التحول الحاصل في السياسة الأميركية تجاه الصين، أي التخلي عن التواصل وتفضيل سياسة احتواء جديدة، إلى زيادة أهمية توثيق التعاون مع موسكو بالنسبة إلى بكين، لكن حقق التعاون الصيني الروسي في آخر سنتين نجاحاً مختلطاً.
تستهدف سياسة بكين التي تزداد عدائية شركاء روسيا التقليديين في آسيا، مثل الهند أو فيتنام، ورداً على الاشتباكات الحدودية بين الصين والهند، بذلت موسكو قصارى جهدها لتهدئة شريكَيها والبقاء على الحياد، لكنّ أي تحالف مع بكين سيزيد صعوبة تطبيق هذه السياسة، كذلك، تتابع روسيا بيع جيل متقدم من الأسلحة إلى الهند، وحرصت موسكو على طمأنة نيودلهي حول إصرارها على تسليمها النظام الصاروخي «إس-400»، مما أثار استياء واشنطن.
تمنى الكثيرون أن يعيد الرئيس الأميركي الجديد إطلاق الحوار العابر للأطلسي حول روسيا والصين لمعالجة التحديات التي يطرحها البلدان على الغرب المفكك. سبق أن أعلن حلف الناتو جهوزيته لزيادة التركيز على الصين والروابط الصينية الروسية في آن، وكان بايدن يُخطط للتواصل مع الاتحاد الأوروبي لكبح النفوذ الصيني إقليمياً وعالمياً، لكن زاد تعقيد هذه الخطط بسبب إصرار الاتحاد الأوروبي المفاجئ على عقد اتفاق استثماري جديد مع الصين قبل أسابيع قليلة من تنصيب بايدن.
قد يكون هذا الاتفاق خبراً سيئاً أيضاً بالنسبة إلى روسيا التي تسعى إلى التعاون مع بكين عبر «شراكة أوراسيا الكبرى» التي تربط بين «مبادرة الحزام والطريق» الصينية و«الاتحاد الاقتصادي الأوراسي» الروسي.
لا تزال روسيا تسيطر على نظام سكك الحديد الذي تحتاج إليه الصين للوصول إلى أوروبا، لكن ستُطوّر الصين قريباً بنى تحتية أخرى كي لا تضطر للاتكال على روسيا وحدها.
تحتل الولايات المتحدة أهمية كبرى بالنسبة إلى موسكو وبكين، لكن لا يمكن حصر الأسباب الكامنة وراء التقارب الصيني الروسي بالأعمال العدائية المشتركة ضد نفوذ واشنطن وسياساتها، بل تبرز عوامل مؤثرة أخرى على الأرجح. في الوقت الراهن، تشكّل السياسات المحلية الروسية بيئة حاضنة لتوثيق العلاقات مع بكين: لا يعتبر الكرملين أن قوة الصين المتنامية تُضعِف شرعيته المحلية أو تُهدد صمود النظام، وفي المقابل، تُقدّر الصين قيمة دعم روسيا وترضي غرور قادتها.
هذا الاصطفاف النموذجي هو الذي يجسّد الموقف المعادي للغرب بأوضح طريقة. تحمل الصين وروسيا ازدراءً عميقاً تجاه النظام الليبرالي الغربي وتعتبر الاضطرابات الداخلية في الغرب خطة «بريكست»، احتجاجات حركة «حياة السود مهمة» أداة لإعطاء الشرعية للنظام في البلدَين. لكن حتى لو كانت الشراكة الصينية الروسية ترتكز على هذه المشاعر المشتركة ضد الغرب، يفضّل البلدان ألا يبالغا في توثيق الروابط الثنائية بينهما لدرجة أن يخسرا أي هامش للمناورة.
في هذا السياق، يقول أكاديمي صيني إن روسيا والصين «لا تعقدان تحالفاً بينهما بل تبقيان المجال مفتوحاً أمام عقد تحالف مماثل». تحمل هذه الصيغة برأيه احتمالات توسعية هائلة، لكن ذلك يعني أيضاً أن العلاقات الصينية الروسية لن تتجاوز هذا الحد.
ترجمة: الجريدة