بقلم: إبراهيم الزبيدي – العرب اللندنية
الشرق اليوم- يكاد يكون الشغل الشاغل للشعب الأميركي، أكثر من حكومته، ولشعوب أوروبا والشرق الأوسط، وخاصة شعوب العراق وسوريا ولبنان واليمن والسعودية والإمارات والبحرين والكويت، هو النهج القادم الذي سيتخذه الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه النظام الإيراني.
هل سيكون استثماراً لما زرعه الرئيس السابق دونالد ترامب، فيستغل شهوة النظام الإيراني لرفع العقوبات، ويجعلها عصا موسى التي تشق البحر، وتعبر بكل هذه الشعوب القلقة إلى شاطئ الأمان، فينهي مسلسل الشر الإيراني الذي طال كثيرا وتجاوز الحدود؟
أم إنه سوف يرتدي عباءة باراك أوباما، بعد ترقيعها، فيسلّم نظامَ الولي الفقيه هديته التي يترقبها، بفارغ الصبر، ويدع له حرية الانتشار في دول الجوار، بميليشياته وصواريخه التي لا تصيب سوى حلفاء أميركا في المنطقة الذين يكرر بايدن نفسه ووزير خارجيته ومساعدوه العسكريون الآخرون القول بأنهم لن يسمحوا لإيران بالاعتداء على أحد منهم، فيكون كلُّ ذلك الكلام هواءً في شبك؟
ننتظر وسوف نرى.
والذي ينبغي معرفته، قبل التكهن بأحد النهجين، هو أن هناك 72 مليونا من الجمهوريين الذين يمكن أن يقال إنهم من عشيرة ترامب، وقد جعلهم موقنين بأن إيران شرّ مطلق، وأن كرامة الدولة الأميركية وهيبتها واحترام الشعوب الأخرى لقوتها وجبروتها أصبحت تستوجب إنهاء المسلسل، وإعادة النظام الإيراني إلى حجمه الذي لا يستحق أكثر منه، ومعهم ملايين أخرى من الديمقراطيين لا تريد لحزبها أن يكون موضع اتهام بالتآمر والتحالف السري مع الإسلام السياسي الإيراني والعربي، والغدر بالحلفاء، والإضرار بالمصالح الحيوية الأميركية في المنطقة، وخاصة أمن إسرائيل بعد تحالفات جديدة مع دول عربية غيّرت الكثير من الواقع القديم وأقامت واقعا جديدا تصعب الاستهانة به.
ويبدو أن كل شيء أصبح جاهزاً لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي القديم لعام 2015.
فقد أجرت الإدارة الأميركية محادثات مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا، واتفقت معها على أن تعرض على طهران عقد اجتماع لوزراء خارجيتها مع وزير خارجية إيران، بهدف مناقشة التغييرات اللازمة التي تريد إضافتها أو تعديلها في الاتفاق النووي القديم.
لكن الذي حدث هو أن المرشد الإيراني، علي خامنئي، أفشل الخطة، ووضع إدارة بايدن، أكثر من غيرها، في حيرة، بعد أن أعلن وزير الخارجية الإيراني أن إيران ستكون مستعدة لمناقشة التغييرات في الاتفاق، فقط في حال إقدام الرئيس بايدن على “رفع جميع العقوبات الأميركية”، وهو ما دفع بالمستشار الألمانية إلى محادثة الرئيس الإيراني بتهديد مبطن تنصحه فيه باتخاذ “بوادر إيجابية” أو (..)، وقَدّر المحللون ما بعد (أو..) هذه بأن على إيران أن تتوقع العمل العسكري.
ثم بعد هذا توالت التصريحات الأميركية المتشددة التي تُطمئن الحلفاء، وأولهم وأهمهم نتنياهو، في أحاديث ساخنة عن إيران.
فبايدن نفسه، قال، في مقابلة مع قناة “سي بي أس” الأميركية ردا على سؤال حول ما إذا كانت إدارته تنوي رفع العقوبات عن إيران من أجل إعادتها إلى طاولة المفاوضات: “لا”.
وأكد، في إجابة على سؤال آخر، أن “على حكومة إيران قبل كل شيء وقف عمليات تخصيب اليورانيوم”.
ثم تبعه وزير الخارجية أنتوني بلينكن، في أحدث تصريحات فقال إن لـ”الولايات المتحدة وأوروبا، مرة أخرى، موقفاً مشتركا بشأن إيران”. وأضاف في مقابلة مع شبكة “بي بي سي” أن بلاده “ستبحث مع الحلفاء في قضايا أخرى، مثل النفوذ الإقليمي الإيراني، وبرنامج الصواريخ الباليستية.”
من جانبها جددت إسرائيل التزامها بـ”منع إيران من الحصول على سلاح نووي”، وهو ما يضيف إلى حيرة إدارة بايدن حيرة جديدة أخرى مزعجة.
فقد أكد المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي، أوفير جندلمان، “أن بلاده ملتزمة بمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية وموقفها من الاتفاقية النووية لم يتغير”.
وفي خضم هذا التلاسن الكلامي الأميركي – الإيراني – الأوروبي – الإسرائيلي يأتينا خبرٌ له دلالة محيرة أخرى.
فقد فتح البنتاغون الباب أمام إمكانية إرسال المزيد من القوات الأميركية إلى الشرق الأوسط بذريعة تدريب القوات العراقية، لضمان عدم صعود داعش مرة أخرى.
وقال أمين عام الحلف ينس ستولتنبرغ في مؤتمر صحافي بعد اجتماع عبر الفيديو مع وزراء دفاع الحلف إن “عديد قوات الحلف سيرتفع تدريجيا من 500 عنصر إلى نحو 4000، وسيمتد انتشارهم إلى مناطق خارج بغداد”، وأكد أن ذلك “بطلب من الحكومة العراقية وبالتشاور معها”.
وهذا يعني، دون أيّ شك، أن إيران، وهي الحاكمة الحقيقية في العراق، قد أجازت لحكومة مصطفى الكاظمي ذلك، في تصرف معاكس تماما للحملات الإيرانية وصواريخ ميليشياتها على معسكرات القوات الأميركية والأطلسية، بهدف إخراجها من العراق، “حفاظا على السيادة الوطنية والاستقلال”.
وهو ما يعطي إشارة إلى خطوة “تلطيفية” بين إدارة بايدن وإيران تساهم في تعبيد الطريق أمام اتفاق أكبر يريح الطرفين.
ويقول موقع إلكتروني تشرف عليه المؤسسة العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية إن إدارة بايدن سوف تقوم بتخفيف العقوبات المفروضة على إيران، فور العودة إلى الاتفاق النووي القديم، ولكنها قلقة من احتمال أن تردّ طهران بأن “هذه الإجراءات الأميركية غير كافية”.
وعلى هذا فإن الأسابيع القليلة القادمة لا بد أن تكون حاسمة في هذا الشأن، فإما عودة إلى اتفاق نووي “ملطف” و”مخفف” يكف اليد الإيرانية الشريرة عن المنطقة، أو ضياع فرصة المفاوضات، وهو ما يفتح الطريق أمام عمليات عسكرية في المنطقة الحبلى بكل جديد ومخيف.