بقلم: هانا سيلينجر – اندبندنت عربية
الشرق اليوم- أعلنت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي، أن الكونغرس سيحاول تشكيل “هيئة على غرار لجنة 11/9” [لجنة التحقيق في هجمات الحادي عشر من سبتمر (أيلول) 2001] للوقوف من كثب على الأحداث المتعلقة بالتمرد الذي وقع في 6 يناير (كانون الثاني). وقالت رئيسة الكونغرس، إن اللجنة ستحقق في أسباب الهجوم، وكذلك حول الأشخاص المتورطين في شنه. ولن يقتصر تحقيق من هذا النوع على الناس العاديين، كما سيكون من شبه المؤكد أن يشتمل التحقيق على إلقاء نظرة معمقة على السياسيين الذين أججوا الحماسة في مرحلة سياسية مشحونة.
السادة ترمب، وكروز، وهاولي، وبروكس، وروبرت، أنتم المعنيون بهذه الكلمات.
ثمة سبب وراء إشارة بيلوسي تحديداً إلى أحداث 11/9 في سياق دعوتها لإجراء تحقيق مستقل في الهجوم على مبنى الكابيتول. ففي أعقاب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001، شُكلت لجنة من أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي لتفحص تفاصيل أسوأ مأساة تعرضت لها البلاد في تاريخها الحديث. وفي الحقيقة، كانت تلك اللجنة بالذات تمثل نوعاً من الانفراج السياسي، إذ وضع أعضاء الكونغرس المصلحة العامة فوق مصالحهم الحزبية الضيقة.
لكننا نعيش حالياً في مرحلة مختلفة يمتنع خلالها بعض أعضاء مجلس الشيوخ عن إدانة رئيس بارتكاب جرائم من الواضح أن من يقوم بها يجب أن يُعاقب بالعزل والإدانة.
لكنهم بعد دقائق يسارعون إلى إلقاء خطابات ينتقدون فيها الرئيس المذكور لارتكاب الجرائم ذاتها. إذن، ما يمكن أن يكون مفيداً في هذه الحالة، هو شيء قريب من لجنة مجلس النواب الخاصة بأحداث بنغازي.
وكانت هذه اللجنة ذات النبرة الفظة التي لقيت الدعم من جانب الجمهوريين، قد بدأت جلسات الاستماع في سبتمبر عام 2014، برئاسة النائب الجمهوري تري غودي المتمسك بمصالح حزبه (وهو حالياً مقدم برامج على شاشة “فوكس نيوز”). وخُصصت تلك اللجنة وجلسات الاستماع التي أجرتها في الظاهر حول الهجوم الذي تعرضت له منشآت أميركية حكومية في بنغازي في عام 2012، والتي أسفرت عن مقتل أربعة أميركيين.
وخلال جلسات استماع بنغازي تلك، أجابت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة على عدد من الأسئلة استغرق طرحها ثماني ساعات من قبل أعضاء في الكونغرس معادين لها بوضوح. وأشاد أنصارها بأدائها المتماسك الذي حظي أيضاً بثناء أولئك الذين يعتبرونها جزءاً من تاريخ أميركا وليس من مستقبلها.
وتوفر جلسات الاستماع تلك، بكل ما كان فيها من تهافت لتغليب المصالح الحزبية على كل ما عداها، نموذجاً مذهلاً بالمقارنة مع جلسات الاستماع الخاصة بمحاكمة العزل التي جرت مؤخرا، والتي افتقرت إلى استجواب شرس للرئيس الخامس والأربعين كالذي تعرضت له كلينتون، على الرغم من حقيقة أن التمرد قد استمر لفترة أطول من الانتفاضة الليبية، كما أنه قد أوقع عدداً أكبر من الضحايا. (وخلافاً لأحداث بنغازي، كان منفذو التمرد أميركيين).
كان بإمكان مديري محاكمة العزل استدعاء ترمب للإدلاء بشهادته خلال إجراءات العزل الثانية، وذلك عن طريق مذكرة استدعاء رسمية (رفض الرئيس الخامس والأربعين دعوة للمثول طوعاً)، بيد أن معركة قانونية كانت ستنشب وتؤدي إلى إعاقة زخم الإجراءات التشريعية في الكونغرس، وذلك في وقت تحتاج فيه البلاد إليها. وبات الآن اكتشاف الحقيقة من شأن المدعيين الجنائيين واللجان المستقلة. وعلينا أن نكتشف حقيقة ذلك التمرد.
يجب إجراء استجواب في الكونغرس بمشاركة عدد أقل من الهيئات، كما لا يحتاج إلى جدول زمني، ويمكن للأعضاء أن ينتظروا مذكرة الاستدعاء الرسمية بقدر ما يستغرق الأمر. والسؤال هو ما إذا كان الرئيس السابق قادراً على اجتياز استجواب متواصل لثماني ساعات من دون أن يكذب أو يثرثر ثرثرة فارغة؟ يعتقد معظم الناس أن الأداء الموزون الذي قدمته وزيرة الخارجية السابقة كلينتون، هو أمر لا يستطيع ترمب أن يأتي بمثله. وقد يكون الأداء الضعيف مبرراً كافياً لإدانته بالتهم الموجهة إليه في محكمة الرأي العام، والتي تعتبر إلى حد ما المحكمة الوحيدة التي تستحق الاهتمام حين يتعلق الأمر بمستقبل البلاد.
وبعيداً عن الإدانة بارتكاب جرائم، فإن ما تحتاج إليه الولايات المتحدة بحق هو مناقشة صريحة ومفتوحة مع الرئيس السابق بشأن الأحداث التي وقعت في 6 يناير. وقد لمح البعض إلى أنه سيكون من الأفضل لنا أن ننسى ترمب، ولكن نسيانه يعني بالضرورة نسيان الأهوال التي عشناها في ظل إدارته. وإذا كنا نرغب صدقاً في عدم تكرار الفوضى التي طغت على السنوات الأربع الماضية، فعلينا أن ندرسها [ونستخلص عبرها]. وعلينا أن نقف على كلام الرئيس بكل أوجهه غير اللائقة والقذرة.
اللافت أن لجنة بنغازي لم تزح الستار عن أي معلومات جديدة، كما تبين. غير أن إخضاع الرئيس السابق للاستجواب على مدى ثماني ساعات قد يتمخض عن عناصر جديدة ستكمل الرواية التي يجب أن تُعرف عن أحداث السادس من يناير. وإن استجواباً من هذا النوع سيؤدي إلى توثيق ما يقوله ترمب عن سلوكه في الفترة التي مهدت لتلك الأحداث، وربما جعله غير قابل للانتخاب في المنافسات السياسية في المستقبل. ثمة نقطة أخيرة قد تكون هي الأهم، وتتمثل في أن هيئة على غرار لجنة بنغازي ستساعد على سحب السموم وتخفيف الاحتقان. تموت الديمقراطية في الظلام الدامس، لذا دعوا الضوء يغمر الرئيس السابق.