بقلم: مهى سمارة – النهار العربي
الشرق اليوم- يتهيأ الإسرائيليون للذهاب الى صناديق الاقتراع للمرة الرابعة في سنتين في 23 آذار (مارس) المقبل، بعد حل الكنيست وإقرار ميزانية 2020 و2021.
والمستهدف الأول في هذه الانتخابات هو بنيامين نتنياهو الذي تتراكم الهموم وتتكاثر الضغوط عليه بعد تدني شعبيته نتيجة الأداء السيئ في مواجهة جائحة كوفيد 19. فقد فتك الفيروس بقاعدته الشعبية في أحياء اليهود المتدينين الذين رفضوا التزام الكمامات والتباعد الاجتماعي. وعلى مدى 34 أسبوعاً، تتوالى التظاهرات أمام منزله ومكتبه تطالب برحيله وتغييره. إسرائيل تعيش أزمة اقتصادية وسياسية وصحية خانقة.
ووسط أجواء من القلق والانقسام وضبابية الرؤية، يتعرّض نتنياهو لحملة سياسية تستهدفه شخصياً وتتصاعد أسبوعياً، وتحمّله أوزار ما وصلت اليه البلاد.
على الصعيد الشخصي والسياسي، يفتقد نتنياهو صديقه وسنده الرئيس ترامب. وبرغم التهنئة البروتوكولية بالإدارة الديموقراطية الجديدة، لم يجر أي اتصال بين بايدن ونتنياهو بعد. إسرائيل أرسلت مدير الاستخبارات يوسي كوهين الى واشنطن لاستكشاف جدية العودة الى الاتفاق النووي مع إيران، ومدى التزام الإدارة الجديدة حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكيف سيتعاطى بايدن مع صفقة القرن.
لإسرائيل تحفظات وتحذيرات من العودة المتساهلة مع إيران من دون الإبقاء على العقوبات. بعد سرقة الملفات النووية من أدراج السلطة الإيرانية، تملك إسرائيل معلومات دقيقة وحديثة حول مخزون إيران لليورانيوم المخصّب وبرنامج أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي أرادت كشفها الى الولايات المتحدة الأميركية. كما ترغب إسرائيل في إشراك دول المنطقة في المفاوضات النووية الإيرانية، وطالبت بأن تنضمّ هي والمملكة العربية السعودية الى مفاوضات الاتفاق النووي، إضافة الى الدول الخمس وألمانيا.
وفي هذه الأجواء الملبّدة، استنفرت إسرائيل كوادرها العسكرية ووضعت خطة لشن حرب على إيران لمنعها من التحوّل دولة نووية، مع الولايات المتحدة الأميركية أو من دونها. ويبقى السؤال: هل التلويح بالحرب بالون اختبار لمعرفة ردود الفعل أم تهديد حقيقي؟
وللمرة الرابعة في سنتين تجرى انتخابات نيابية بعد فشل حكومة نتنياهو الائتلافية مع حزب “أزرق أبيض”، وأخفقت في إنجاز ميزانية 2020 و21. وكما كان متوقعاً، لم يلتزم نتنياهو بنود الاتفاق على تداول السلطة، ولم يتسنّ لبني غانتس أن يصبح رئيساً للوزراء، إذ فرط العقد وحل الكنيست ودعا الى انتخابات عامة في آذار (مارس). الأمر الذي حذّر رفاق غانتس منه وأدى الى خروج البعض من حزب “أزرق أبيض” وتأسيس أحزاب جديدة.
والجديد في هذه الانتخابات أن تهديد نتنياهو يأتي من تكتل الليكود. ومن بيت أبي ضُربت، يتصدّر وزير الداخلية والتعليم السابق جدعون ساعر منافسة نتنياهو، وهو الذي يشاركه الأيديولوجية اليمينية المحافظة والمتطرفة والنظرة الواحدة الى العالم، ما يزيد الانقسامات داخل معسكر اليمين وتكتل الليكود بالذات.
والخلاف بين الرجلين ليس جديداً. فخلال وجود ساعر في حكومات نتنياهو بين 2009 و2014، ساد توتر علاقتهما، وفي آخر انتخابات لرئاسة الليكود ترشح لمنافسة نتنياهو لكن لم يُكتب له النجاح.
والمشهد الإسرائيلي الداخلي يبدو ملبّداً بالانقسامات والمماحكات والمزايدات الحزبية والشخصية، خصوصاً بعد فشل الأحزاب في الدورات الانتخابية الثلاث في تأمين أغلبية 61 صوتاً لتأليف الحكومة.
والفشل الكبير هو فشل المعارضة والمراهنة على حزب الجنرالات، أي حزب “أزرق أبيض” الذي يتعرّض الى انشقاقات وتفكيك بعد قبول رئيسه بني غانتس الدخول في ائتلاف مع نتنياهو في بدعة تداول للسلطة. غانتس هو الخاسر الأكبر من التجربة الائتلافية، إذ أجهضت المحاولة ولم تصل الى خواتيمها، ولم يتمكن من أن يصبح رئيساً للوزراء في النصف الثاني من الولاية. وبعد إعلان اتفاقه مع نتنياهو، تخلى عنه عدد من رفاقه العسكريين اعتراضاً على التعاون مع نتنياهو وعدم الأخذ بنصائحهم بعدم الوثوق بوعود نتنياهو.
ونتيجة غلطة غانتس، تشقّق حزبه وهبطت أسهمه عند الرأي العام، ويمكن القول خسر قاعدته التي اعتقدت يوماً أنه يستطيع أن يكون البديل من نتنياهو.
إن دهاء نتنياهو صاحب التجربة السياسية الطويلة في الحكم، ومهارته في اقنتاص الفرص، أديا الى نهاية حياة غانتس السياسية والقصيرة، وبشكل دراماتيكي وسريع.
ليس لجمهور حزب “أزرق أبيض” ثقة بنتنياهو، واعتبروا تصرف غانتس ساذجاً سياسياً وجديداً في كار المناورات السياسية، وظّفه نتنياهو للبقاء في السلطة وتفادي المحاكمة بتهم الرشوة وعدم الأمانة وتبييض الأموال… التي ما زالت قائمة وتنتظر محاكمته وربما إدانته عندما يصبح خارج رئاسة الوزراء.
في هذه الأجواء المضطربة، برز جدعون ساعر رئيس حزب “الأمل الجديد”، خصم نتنياهو اللدود والسياسي اليميني المتطرّف والليكودي الأصيل الذي يتحدّى نتنياهو ماضياً وحاضراً، فما كان من نتنياهو إلا العمل على إقصائه من أي منصب أو مسؤولية في الليكود والحكومة.
وإذا استمر ساعر في حملته الشعواء فسيقسم الليكود، بعدما انضمّ اليه أحد وزراء الليكود السابقين زئيف الكين. الذي كان يوماً أحد المقربين من نتنياهو وابتعد عنه متهماً إياه بعبادة الشخصية وتدمير الليكود.
والمعركة الانتخابية تدور في معسكر اليمين بامتياز وبين أهل الليكود. ساعر أيديولوجي متعصب ويميني متطرف ربما أكثر من نتنياهو. إنه نقيض شخصية غانتس السلس والبراغماني الذي لم يستطع أن يقود المعارضة بسبب تردده وافتقاره الى الحزم والإقدام والكاريزما، برغم نشأته العسكرية وخدمته الطويلة كرئيس أركان للجيش.
ساعر يدّعي أنه يرفض تأليف حكومة مع نتنياهو، برغم أنه يتبنى المواقف السياسيةنفسها بالنسبة الى الفلسطينيين. هو متمسك بضم المستوطنات في الضفة الغربية الى إسرائيل والحفاظ على يهودية الدولة. كره مجموعات من الليكود لنتنياهو حوّل ساعر مرشحاً والشخصية الثانية في الليكود المؤهلة لخلافة نتنياهو.
برنامج ساعر المعلن هو استعادة مؤسسات الدولة وقيادة إسرائيل بكفاءة خلال الوباء والتعافي الاقتصادي اللاحق. والسؤال: هل يستطيع زحزحة نتنياهو أم سيبادر نتنياهو الى مصالحة ساعر والاتفاق معه انتخابياً لتفادي خسارة الليكود الموقع والصدارة في حكم إسرائيل؟
بعد 13 عاماً من حكم إسرائيل المتقطع، كثرت الأحزاب التي تنصب العداء لنتنياهو. ومن الأحزاب المعادية والحديثة النشأة حزب “هناك مستقبل” بقيادة يائير لابيد، وهو شريك سابق لغانتس في “أزرق أبيض”. وحزب “إسرائيل بيتنا” برئاسة أفيغدور ليبرمان الواسع الانتشار بين الجالية الروسية. وهناك حزب يساري علماني جديد شكله رئيس بلدية تل أبيب رون هوليداي. هذا عدا الأحزاب التقليدية مثل حزب العمل وحزب “ميرتس” اليساري والكتلة العربية.
وهكذا فساعر ليس وحده من يشهر السيف ضد نتنياهو. شخصيات وأحزاب جديدة وقديمة تنضم الى الحملة ضده. ومن أجل البقاء على رأس السلطة، على نتنياهو التعاون مع حزب اليمين المؤيد للاستيطان بقيادة نفتالي بينيت والأحزاب اليمينية الأرثوذكسية المتديّنة والمتطرّفة.
اللافت أن الأحزاب الإسرائيلية كافة تتحاشى الشراكة مع الكتلة العربية. عندما ألّف غانتس حزبه كان معه عدد من الجنرالات الذين قادوا حروباً ضد غزة والفلسطينيين. في وقت من الأوقات اعتقد أن غانتس ورفاقه العسكريين قد يشكلون كتلة وسطية تستطيع أن تجمع وتستقطب أعداء نتنياهو وتحمل مشروع سلام شبيهاً بمشروع إسحق رابين. إلا أن هذه الأفكار كانت أشبه بالتّمنيات غير الواقعية، إذ كشف “أزرق أبيض” التزامه المعسكر اليميني وعدم استعداده للتقارب والتعاون مع الكتلة العربية، برغم أن الفكرة دغدغت غانتس لكنه عجز عن اتخاذ خطوة شجاعة وعلنية.
أيام نتنياهو صعبة لكنه خبير في الهروب من المآزق. هل يستطيع تشكيل كتلة يمينية ضخمة مع ساعر أو من دونه باللجوء الى الأحزاب الدينية الصغرى لتأمين بقائه، أم أن وقته انتهى؟ وهل إسرائيل فعلاً تضيق ذرعاً به وتتطلّع الى قيادة جديدة؟ نتنياهو بسبع أرواح يعوم كلما تعرّض لتحدّيات، ويبرهن أنه صلب وصامد. هل تكون انتخابات 2021 مختلفة؟